وهمُ السعادة قصة قصيرة.. وجدانية تأملية
وهمُ السعادة
قصة قصيرة.. وجدانية تأملية
بقلم: عدنان الطائي
حين يضيعُ العُمرُ،
ويتبدّد بين أروقةٍ وشوارعِ الغُربة،
وحين تتكسّر أمواجُ السعادةِ على شواطئِ الاغتراب،
حينها أدركتُ أنني لا أحملُ سوى حقيبةٍ صغيرة،
يتوسّطها وهمُ السعادة،
وحنينٌ جارِفٌ لعينيكِ يا مدينتي.
ويبقى الخُسرانُ يُلاحقني،
وروحي تُقاومُ حنينَكِ،
وجسدي يذوبُ في تُربةِ الغُربة،
وتتلاشى ذراتُه بينَ ريحٍ لم أألفْها.
هكذا أنا...
أعيشُ وَحدةً واعتزالاً، وشوقاً واغتراباً.
أناديكِ في لحنِ حنيني ودعاءٍ خافت،
آهٍ... كم عذّبني لِقاؤُكِ طولَ الرجاء!
أغدًا تُشرقُ أضواؤُكِ في ليلِ عيوني؟
وتجولُ روحي بينَ غروبِكِ وشروقِك؟
لن أتَلذّذَ بالحبِّ كما ينبغي،
ولا السعادةُ كما كانتْ في معصمي.
صار وهمُ السعادة في ظواهري،
وتأنيبُ الضميرِ في دواخلي.
اكتشفتُ أنني لم أفقدْ شيئًا... إلا نفسي.
حتى أصبحتُ أحملُ حقًّا حقيبةً
ليسَ فيها سوى أوهامٍ وآمالٍ
تحطّمت تحت وطأةِ الزمنِ.
والزَّبدُ لم يذهبْ جفاءً...
حينما أسيرُ في شوارعِ الغُربة،
تختلطُ أصواتُ الغرباءِ بلغاتٍ لا أفهمها.
أبحثُ عن نفسي التي ضاعتْ في زِحامِ المدينة.
أرقبُ السماءَ كلَّ مساء،
في انتظارِ غيمةٍ تأتي برسالةٍ من هناك،
من مدينتي التي كانتْ كلَّ حلمي.
وكلّما رفعتُ رأسي،
أتذكّرُ وجهَكِ يا مدينتي،
وجهَكِ الذي أضاءَ ليالي شتائي الطويلة،
وأبتسمُ للذكرى التي تركتِها في أحضانِكِ الحنونة.
لكن في داخلي شعورٌ يملؤني؛
شعورٌ بأنّ السعادةَ التي سعيتُ إليها في الغربة،
لم تكن سوى كذبة…
لم تكن سوى وهماً.
كنتُ أحملُها في حقيبتي كذكرى قديمة،
لكنها تلاشتْ عندما واجهتُ الواقعَ القاسي،
فخابَ ظنّي.
لن أجدَ هنا ما فقدتُه هناك،
فصار الماضي عندي حُلواً،
ولم يعدِ الحاضرُ أحلى…
في النهاية، أدركتُ أن السعادةَ
لم تكن مرتبطةً بمكانٍ أو زمان،
بل كانت وهماً صنعتهُ لنفسي،
حين أيقظتني شيخوختي
هرباً من واقعِ غُربتي.
أغدًا ألقاكِ يا مدينتي؟
وعُمري لم يحتملْ نعيمًا وعذابًا…
وجنّتُكِ فاضتْ عليَّ حبًّا وأشواقًا.
تعليقات
إرسال تعليق