مائة عام من العزلة… حين تتحول الحكاية إلى قدر

 

مائة عام من العزلة… حين تتحول الحكاية إلى قدر

بقلم عدنان الطائي

قراءة في رواية مائة عام من العزلة للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز:

   في زاوية نائية من الخيال، ولدت ماكوندو، البلدة التي أرادها خوسيه أركاديو بوينديا جنة معزولة عن العالم، فإذا بها تصبح مرآة للعالم بأسره. هناك، بين النهر والجبال، امتدّت حكاية سبعة أجيال من عائلة بوينديا، حكاية لا تسير في خط مستقيم، بل تدور في دوائر الزمن، حيث تعود الأسماء والوجوه، وتتشابه الأخطاء حتى يصبح التاريخ حلقة مغلقة.

   غابرييل غارسيا ماركيز، بسحر لغته، نسج رواية مائة عام من العزلة كأنها حلم طويل؛ مزج فيها ما هو واقعي بما هو أسطوري، حتى بات القارئ يصدق أن فتاة يمكن أن ترتفع إلى السماء وسط الغسيل، وأن جنديّاً يمكن أن يخوض اثنتين وثلاثين حرباً دون أن ينتصر في واحدة. في عالم ماركيز، تصبح المعجزة خبز الحياة، وتصبح المأساة حدثاً يومياً.

العزلة… الوجه الخفي للقدر

    ليست العزلة في الرواية جدراناً أو أنهاراً تفصل المدينة عن العالم، بل هي شعور متوارث، يسكن القلوب قبل الأمكنة. عزلة الأفراد عن بعضهم، وعزلة العائلة عن تاريخها، وعزلة ماكوندو عن العالم… حتى تصبح النهاية قدراً محتوماً، حيث تتلاشى البلدة مع آخر أبناء السلالة، مولود بذيل خنزير يحقق النبوءة القديمة.

لماذا أحبها العالم؟

    لأنها حكاية الإنسان أينما كان. فيها الحب الذي لا يكتمل، والحرب التي لا تنتهي، والفساد الذي يلتهم البراءة، والزمن الذي يدور كطاحونة لا تملّ. قرأها الناس في آسيا وأوروبا وأفريقيا، ورأوا فيها ملامح أوطانهم ووجوه أجدادهم، رغم أن أحداثها تدور في بلدة لاتينية صغيرة. 

ماركيز ونوبل

حين منحت لجنة نوبل جائزتها لماركيز عام 1982، كانت كأنها تقول للعالم: "هنا، في هذه الرواية، تجد تاريخ قارة بأكملها، مزيجاً من الدم والحلم، من الواقع والخيال، من المجد والانكسار". مائة عام من العزلة لم تكن كتاباً عادياً، بل وثيقة شعرية عن الإنسان في مواجهة الزمن.

كلمة أخيرة

في نهاية الحكاية، حين تُمحى ماكوندو من الوجود، لا يبقى للقارئ سوى شعور غريب: كأنه عاش مائة عام مع هذه العائلة، أحبهم وعاتبهم، وشهد ضحكاتهم ودموعهم. وحين يغلق الكتاب، يدرك أن ماركيز لم يكتب عن ماكوندو وحدها… بل كتب عنّا جميعاً.

شجرة انساب عائلة بوينديا