ليست الشهادة ما يصنع الإنسان، بل ما يعرفه ويقدمه
ليست الشهادة ما يصنع الإنسان، بل ما يعرفه ويقدمه
بقلم: عدنان مهدي الطائي
"أعتقد أنني كنت دائماً أكتب لأُنقذ حياتي."
– لويز غلوك
هذه العبارة للشاعرة
الأمريكية الراحلة لويز غلوك تلخّص روح المبدع الحقيقي، ذاك الذي لا ينتظر شهادة
أو وساماً ليعبّر عن ذاته، بل يحيا بما يكتبه، ويترك أثراً لا يمكن لأية ورقة أن
تمنحه إياه أو تنتزعه منه.
غلوك، التي لم تكمل
تعليمها الجامعي بسبب معاناتها من مرض فقدان الشهية العصبي، أصبحت واحدة من أعظم
شعراء العصر الحديث. فازت بجائزة بوليتزر عن ديوانها "السوسنة البرية"،
ثم نالت نوبل في الآداب، ودرّست الأدب والشعر في جامعات مرموقة مثل ييل وستانفورد،
دون أن تملك شهادة جامعية رسمية. لم تُقَيَّم غلوك بناءً على شهادة، بل على ما
عرفته وكتبته وعلّمته.
هذه الحالة تدفعنا لطرح سؤال مؤلم في مجتمعاتنا:
هل يمكن أن يُقيَّم الإنسان عندنا بناءً على علمه ومعرفته وخبرته؟
الجواب للأسف: لا.
في العراق، كما في كثير
من بلداننا، ما زالت الشهادة هي المعيار الأوحد للتقييم، حتى وإن كانت مزورة، حتى
وإن كانت من جامعات ضعيفة لا تخرّج إلا مزيداً من الخواء. والدليل الصارخ أن وزير
التعليم العالي العراقي ذاته يحمل شهادة مزورة من لبنان، ويتبوأ منصباً حساساً رغم
افتقاده للثقافة، وولائه لخرافات دينية لا تمت للعقل أو للعلم بصلة. هذا النوع من "التقدير الزائف" لا يكتفي بتهميش أصحاب
الكفاءة، بل يجعل من التزوير مساراً مشروعاً للسلطة، ويفتح الأبواب أمام من لا
يستحق، فقط لأنهم يملكون ورقة رسمية – حقيقية أو مزيفة – تدل على أنهم
"ناجحون".. وهكذا تُختزل المعرفة في ورقة، وتُغتال الكفاءة خلف ختمٍ رسمي،
وتُغلق الأبواب في وجه العقول الحرة التي لا تملك سوى فكرها وإبداعها، تماماً كما
كتبت غلوك:
"ما من أحدٍ يرى الحياة كما أراها، ولذلك فإن كتابتي ضرورة، لا ترف."
– لويز غلوك
نحن بحاجة إلى مجتمعات تحتفي
بالمحتوى لا بالشكل، بالعلم لا بالشهادة، وبالصدق لا بالتزييف. لكن للأسف، في ظل هذا
الواقع المقلوب، يبدو أن مثل هذا التحول بعيد المنال.
فحين يصبح المزور أستاذاً، والمثقف تهمة، والمبدع متسولا ، فاعلم أن الخلل ليس في غلوك، بل فينا.
تعليقات
إرسال تعليق