بين الله والإنسان: سفر البحث عن الحقيقة
بين الله والإنسان: سفر البحث عن الحقيقة
في مرافئ الفكر الحائر
بين قداسة الإيمان ودهشة العقل، يبدأ السفر الطويل نحو لحقيقة.
نؤمن بما لا تدركه الأبصار، ونتساءل عما تضيق به المدارك؛ ففي المسافة
الشاسعة بين الله والإنسان، تنبت الأسئلة، ويولد الإنسان الحقيقي حين يمشي على جسر
متأرجح بين نور الإيمان وشك المعرفة.
نهجي وفكري:
إني أؤمن بوجود الله،
الكائن المقدس الذي لا تدركه العقول، ولا تمسه التناقضات، فهو معصوم من الخطأ،
ودونه كل مقدس زائف. ومن هذا الإيمان أنطلق إلى منهج علماني معتدل، يفصل الدين عن
الدولة والسياسة، صونًا لقدسية الدين من دنَس المصالح البشرية.
أميز بوضوح بين الدين والتدين؛ فالدين، في
جوهره، منظومة قيم أخلاقية إنسانية، قائمة على العدل والتسامح والمحبة، تتمحور حول
الإيمان بكائن علوي لا تحدّه حدود.
أما التدين (الفقه)، فهو تعبير بشري عن تلك القيم، يخضع لمبدأ التناقض
والتفاوت، وينساب مع أهواء النفوس والعقول. لذلك يكون التدين أحيانًا انفعالًا
نفسيًا معقدًا، تفرزه مكبوتات دفينة، ويتجلى أحيانًا في صورة تطرف فكري وسلوكي،
مما يجعله عرضة للنقد والتفنيد، وهو ما يتجسد في ذهنية رجال الدين.
اقتصاديًا، أتبنى المنهج الماركسي باعتباره
نقدًا للظلم الاجتماعي، دون أن أنزلق إلى الشيوعية كسياسة شمولية مثالية، أشبه
بحلم المدينة الفاضلة. وأؤمن بالديمقراطية والليبرالية
المنضبطة، كأنظمة متغيرة ومتجددة مع تطور الفكر الإنساني، خاضعة لمنطق: "أنا
حر ما لم أتجاوز حرية الآخرين"، ومنسجمة مع ثلاثية فكرية راسخة لدي:
النسبية، الوسطية، ملاقحة الإيجابيات من الأفكار، عبر جدلية مادية
(ديالكتيك) ترى أن الصراع هو محرك التطور.
إن الإحساس العميق بالجهل هو الخطوة الأولى
نحو المعرفة؛ فما نجهله عن هذا الكون الفسيح أعظم مما نعلمه بكثير. وحين نقارن شحّ معرفتنا بسعة جهلنا، ندرك هشاشتنا وتواضعنا أمام عظمة
المجهول. لا نملك من التاريخ إلا شذرات جزئية، ونرفض أحيانًا ما نعجز عن تحديده،
ولكن يبقى الإحساس المستمر بالجهل فضيلة لا غنى عنها لمن يروم الحكمة.
لقد شغلتني طويلاً قضية الأديان: نشأتها،
تعددها، واختلاف طقوسها، حتى غصت عميقًا في أعماقها بحثًا عن سرّها. وكانت خلاصة بحثي أن الأديان، كما نعرفها، هي
إبداعات العقل البشري عبر العصور، وليست تنزيلات سماوية. فلو شاء الله الواحد الأحد، لبعث إلى البشر
جميعًا دينًا واحدًا بلا تباين في الشكل أو الجوهر. لذا أرى أن تلك الأديان، على اختلافها، تمثل
جزءًا من حضارات وثقافات الشعوب المختلفة، تنعكس فيها حاجات الإنسان الروحية
والاجتماعية عبر الأزمنة والأمكنة.
خاتمة:
وهكذا، أسير في دربٍ
بين الإيمان والعقل، أحتكم إلى نور الله الذي لا تدركه الأبصار، وإلى العقل الذي
لا يكل عن السؤال. أومن بأن الحقيقة ليست
وقفًا على عقيدة موروثة أو فكر جامد، بل هي سفر دائم نحو المعرفة والعدل والجمال. وفي هذا السفر، ألتزم بثلاثية الحرية):
نسبية الفكر، وسطية الرؤية، ملاقحة الأفكار الخيّرة.
(أعيش إيماني حرًا، وأفكاري
طليقة، وأدرك أن الإنسان كلما أخلص للبحث عن الحقيقة، اقترب خطوة نحو ذاته، ونحو
الله. هذه رؤيتي، وهذا منهجي
الذي أعتز به.
تعليقات
إرسال تعليق