التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية

 

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح هو تقسيم يعتمد على التوراة، التي تقول إن نوح كان له ثلاثة أبناء: سام، حام، ويفث. وقد تم تقسيم الشعوب على أساس هذه الأبناء الثلاثة، حيث تم اعتبار الشعوب السامية (مثل العرب واليهود) من نسل سام، والشعوب الحامية (مثل المصريين والنيجيريين) من نسل حام، والشعوب اليافثية (مثل الأوروبيين) من نسل يافث.. يعني التقسيم هذا هو تقسيم أسطوري أو ديني يعكس نظرة قديمة لفهم أصول البشر، لكنه لا يتوافق مع علم الأحياء التطوري أو الأركيولوجيا الحديثة. البشرية نشأت عبر تعاقب الأجيال والتطورات الجينية عبر عشرات الآلاف من السنين، وليس من ثلاثة أبناء فقط. للأسباب التالية:
1. غياب الأدلة الوراثية والتاريخية:
لم تجد الأبحاث الجينية أو الأركيولوجية دليلًا يدعم أن البشرية انحدرت من ثلاثة رجال فقط بعد الطوفان، أو أن هناك انقسامًا واضحًا إلى ثلاث مجموعات بناءً على نسب نوح.
2. التنوع البشري أقدم من زمن نوح:
الدلائل العلمية تشير إلى أن البشر كانوا منتشرين في مناطق واسعة قبل الطوفان المذكور في التقاليد الدينية، مما يعني أن التنوع العرقي واللغوي كان موجودًا منذ آلاف السنين قبل هذه الرواية.
3. التفسيرات المختلفة:
حتى داخل المصادر الدينية، هناك اختلافات حول تحديد من هم "الساميون" و"الحاميون" و"اليافثيون"، كما أن التقاليد الشعبية أضافت تأويلات مختلفة عبر الزمن.
لكن، دراسة نقدية لهذا التقسيم تشير إلى أن هذا التقسيم غير دقيق وخطأ. فعلى سبيل المثال، السومريين، الذين يعيشون في بلاد ما بين النهرين (العراق حالياً)، لا يمكن اعتبارهم من نسل سام بن نوح، بل هم يعتبرون من الشعوب القديمة التي عاشت في المنطقة قبل ظهور الساميين. بالإضافة إلى ذلك، الدراسات الجينية الحديثة تشير إلى أن البشر لم يتفرقوا على أساس الأنساب أو العرق، ولكن بدلاً من ذلك، فإنهم يتشاركون في أسلاف مشتركين. لذلك، يمكن القول إن التقسيم البشري على أساس أولاد نوح هو تقسيم غير دقيق وخطأ، وإن البشر يتشاركون في أسلاف مشتركين وينتمون إلى نفس العائلة البشرية.
اما موضوع تسمية الساميين فمصطلح "سامي" لا يرتبط بشكل مباشر بسام بن نوح، ولكن بدلاً من ذلك، يرتبط بحركة الشعوب من الجبال إلى الوديان. كما ان اللفظ "سامي" يأتي من الكلمة السومرية "سوم"، التي تعني "الجبل" أو "المرتفعات". وبالتالي، فإن مصطلح "سامي" يرتبط بحركة الشعوب من الجبال إلى الوديان، والتي حدثت في الشرق الأوسط في الألفية الثالثة قبل الميلاد. وما يؤكد هذا المعنى هو رود نص توراتي يقول (أني رايت الرب جالسًا على كرسي سام، وهذا يعني أن سامي يرتبط بالمرتفعات أو الجبال، وليس بالشخصية التاريخية سام بن نوح.
هذا الرأي يؤكده العديد من الباحثين واللغويين، بما في ذلك العالم اللغوي السوري، حسن إبراهيم حسن، الذي يؤكد أن مصطلح "سامي" يرتبط بحركة الشعوب من الجبال إلى الوديان، وليس بالشخصية التاريخية سام بن نوح.
اما موضوع الجنس الأصفر فهو خارج هذا التقسيم.. كون الجنس الأصفر، الذي يشمل الشعوب التي تعيش في شرق آسيا، مثل اليابان والصين وكوريا، لا يمكن وضعهم ضمن التقسيم البشري القائم على أولاد نوح، لأن هذا التقسيم يركز على الشعوب التي تعيش في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. بدلاً من ذلك، يمكن وضع الشعوب الأصفرية ضمن التقسيم البشري القائم على المجموعات العرقية أو اللغوية. على سبيل المثال، يمكن وضعهم ضمن المجموعة العرقية التي تعرف باسم "المونغولية" أو "الشرق الأسيوية". ومن الناحية اللغوية، يمكن وضع الشعوب الأصفرية ضمن المجموعة اللغوية التي تعرف باسم "اللغات الصينية-التيبيتية" أو "اللغات اليابانية-الكورية". اما من الناحية الجينية، يمكن وضع الشعوب الأصفرية ضمن المجموعة الجينية التي تعرف باسم "المجموعة الجينية D" أو "المجموعة الجينية O". لذلك، يمكن وضع الشعوب الأصفرية ضمن العديد من التقسيمات البشرية المختلفة، ولكن لا يمكن وضعهم ضمن التقسيم البشري القائم على أولاد نوح.
عدنان الطائي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

الإبراهيمية: بين دعوة التعايش ومشروع التطبيع