العقل والوجود بين كانط وملا صدرا مقارنة في الرؤية إلى المعرفة والكون والإنسان

 

 العقل والوجود بين كانط وملا صدرا

مقارنة في الرؤية إلى المعرفة والكون والإنسان

بقلم عدنان مهدي الطائي

في تاريخ الفلسفة، قلّ إن نرى لقاءً حقيقيًا بين عقلين ينتميان إلى عالمين متباعدين: أحدهما ولد في قلب أوروبا الحديثة، بين صخب التنوير وصرخة الحرية العقلية، والآخر نشأ في الشرق الإسلامي، بين تأملات العرفان ونور الوحي الإلهي. لكن بين إيمانويل كانط وملا صدرا الشيرازي خيطٌ خفيّ يوحّدهما: البحث عن الحقيقة بين حدود العقل وآفاق الوجود.

 أولاً: كانط وحدود العقل

كانط، ابن كونيغسبرغ، جاء ليضع العقل في موضعه الصحيح بعد أن تجاوز الفلاسفة قبله حدوده. لقد رأى أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف الأشياء كما هي في ذاتها، بل فقط كما تبدو له من خلال إدراكه الحسي وصور ذهنه القبلية. الزمان والمكان والمقولات لاثنتا عشرة ليست جزءًا من العالم الخارجي، بل هي أدوات العقل التي يشكّل بها التجربة. إذن، فالعقل عند كانط ليس مرآة تعكس الوجود، بل هو المنظِّم للخبرة الإنسانية. ومن هنا جاء مشروعه في «نقد العقل المحض» ليقول: "اعرف حدودك، يا عقل، لتعرف ما يمكنك وما لا يمكنك معرفته." وفي فلسفته الأخلاقية (نقد العقل العملي)، جعل كانط من الواجب الأخلاقي أسمى دليل على حرية الإنسان إذ لا تُقاس الأخلاق بالنتائج، بل بالنية والالتزام بالواجب الكوني. أما في «نقد ملكة الحكم»، فقد سعى إلى التوفيق بين العالم الطبيعي وعالم الحرية عبر مفهوم الجمال والغاية.

باختصار، كانط رسم حدود المعرفة، وفصل بين ما هو ظاهري وما هو ميتافيزيقي، ليُبقي الإيمان بالله والخلود والحرية في منطقة «ما بعد العقل»، حيث لا البرهان العقلي قادر على إثباتها، ولا التجربة على نفيها، في حين هو القائل: (هو أن الإيمان بالله وبعالم أخر متواشج بطبيعتي الأدبية لدرجة انه لا يمكن للأول أن يزول أكثر مما لا يمكن أبدا انتزاع الثاني مني) وهذا حسب راي تناقض في الطرح. اما ما طرحه في مسالة الايمان بالله، حيث لا البرهان العقلي قادر على إثباته، ولا التجربة على نفيه، انا أقول هناك اثبات عقلي علمي على وجود الله وهو انقسام الخلية لغلق أي جرح وفي النهاية تستلم الخلية امر بالتوقف على الانقسام والا تتحول الخلية الى خلية سرطانية، وهذا دليل عقلي على وجود قوة كبرى تحكمنا نحن نسميها الله

 ثانيًا: ملا صدرا ومراتب الوجود

أما ملا صدرا، فقد سار في طريقٍ آخر. هو لم يكتفِ بالنقد، بل سعى إلى التجاوز. رأى أن أصل كل ما في الكون هو الوجود، لا الماهية كما ظنّ الفلاسفة المشاؤون. الوجود عنده حقيقة واحدة متدرجة، تكثف في مراتب القوة والضعف، وتتسع لتشمل كل ما هو كائن، من الجماد إلى العقول المفارقة. وهو القائل: "الوجود نورٌ بسيط، يشتدّ حتى يصير عقلاً، ويضعف حتى يصير مادة." في فلسفته الحكمة المتعالية، جمع ملا صدرا بين:

  • العقل البرهاني لابن سينا،
  • والذوق العرفاني لابن عربي،
  • والنص القرآني كمصدر أعلى للمعرفة.

وفي نظريته عن الحركة الجوهرية، جعل حتى الجواهر في تغير دائم، فليس في الكون سكون، بل تجدّد وجودي مستمر. أما النفس الإنسانية فهي في رحلة صعود من المادة إلى النور، رحلة تبدأ بالحس وتنتهي بالشهود، أي بالمعرفة التي تتحد فيها الذات بالمعروف.

 ثالثًا: التقاء العقلين في مفترق الطريق

البعد الفلسفي

كانط

ملا صدرا

موضوع البحث

حدود المعرفة البشرية

مراتب الوجود الإلهي

المنهج

نقدي عقلي تحليلي

ذوقي برهاني توحيدي

العقل

أداة لتنظيم التجربة

مظهر من مظاهر الوجود النوراني

الوجود

غير قابل للمعرفة المباشرة ("الشيء في ذاته")

الحقيقة المطلقة التي تُدرك بالاتحاد

المعرفة

نسبية وحدودية

متصلة بالفيض الإلهي وتتكامل بالعرفان

الغاية

تأسيس أخلاق الحرية والواجب

الوصول إلى الله عبر التجلّي الوجودي

 رابعًا: من حدود العقل إلى اتساع الوجود

يمكن القول إن كانط أوقف الميتافيزيقا عند حدود العقل، بينما ملا صدرا أحياها من داخل التجربة الروحية. فكانط أراد تحرير العقل من الأوهام الميتافيزيقية، وملا صدرا أراد تحرير الوجود من جمود الماهية. كلاهما، رغم اختلاف المنطلق، التقى في مقصد واحد: أن الحقيقة لا تُنال بالظاهر وحده، بل تحتاج إلى رحلة في الداخل. لكن حيث يقف كانط أمام الباب مغلقًا، يمضي ملا صدرا من خلاله نحو النور، يرى بالعقل، ويشهد بالقلب.

 خاتمة

    بين الفيلسوف الغربي الذي أقام للعقل حدوده، والحكيم الشرقي الذي تجاوز بالعقل حدوده إلى الوجود، يقف الإنسان المعاصر حائرًا بين منهجين: عقلٍ يطلب البرهان، وروحٍ تطلب العرفان. ربما كانت الحقيقة الكبرى — كما فهمها الاثنان أن العقل وحده لا يكفي، وأن الإيمان بلا عقل عمى. فمن يوازن بين نقد كانط وذوق ملا صدرا، يقترب من رؤيةٍ شاملةٍ للإنسان: كائنٌ يسكن بين الحدّ واللانهاية، بين الزمان والخلود، بين العقل والروح.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية