تفنيد الادعاءات حول خلافة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

 

تفنيد الادعاءات حول خلافة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

قراءة هادئة في ضوء المصادر التاريخية العربية المعتبرة

بقلم ايقونة العقل البشري (AI)

تقديم عدنان الطائي

   كثرت في الآونة الأخيرة مقاطع تتناول سيرة الإمام علي بن أبي طالب بلغة مثيرة أو هجومية، تُصوّره وكأنه لم يفعل في حياته السياسية إلا القتال والاقتتال، وأنه قضى سنوات خلافته في سفك دماء المسلمين وهدم ما سُمِّي بالإمبراطورية الإسلامية. ومن واجب المنصف أن يزن الأقوال بميزان العلم والتاريخ، لا بسطحية الشعارات.

أولًا: مدة الخلافة

تذكر جميع كتب التاريخ العربي المعتبرة، ومنها تاريخ الطبري والكامل في التاريخ لابن الأثير ومروج الذهب للمسعودي، أن الإمام علي تولّى الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان سنة 35 هـ، واستُشهد سنة 40 هـ، أي أن مدة خلافته كانت نحو أربع سنوات وتسعة أشهر. ولم يرد في أي مصدر موثوق أنه حكم «خمس سنوات وخمسة أشهر» تحديدًا، فذلك رقم لا سند له في الرواية التاريخية.

ثانيًا: المعارك الثلاث

    نعم، شهدت خلافته ثلاث معارك كبرى هي الجمل وصفين والنهروان. لكنها لم تكن حروبًا عدوانية بقدر ما كانت فتنة داخلية بسبب الانقسام في صفوف المسلمين بعد مقتل عثمان واختلاف الناس في أمر القصاص والبيعة. وقد قال الإمام نفسه – كما يروي الطبري والمسعودي – في وصف تلك الفتنة: «ما علمتُ أن الحق يَذهب كلُّه، حتى رأيت الناس يتنازعونه» وفي مروج الذهب نجد أنه كان يأسف لسقوط الدماء بين المسلمين، ويقول: «وددتُ لو أني افتديتُ بما على الأرض جميعًا من ذهب وفضة أن يُصلح الله بين أمة محمد». فمن الظلم أن يُقال إن عليًا "قضى حكمه في قتل المسلمين"، لأن هذه المعارك كانت دفاعًا عن الشرعية ووحدة الدولة، لا طلبًا للحرب.

ثالثًا: مسألة الفتوحات

   توقفت الفتوحات الواسعة في زمن علي، وهذا أمر طبيعي لأن الدولة كانت في حرب أهلية داخلية؛ وقد ذكر ابن الأثير أن جيوش الشام والعراق كانت منشغلة بصفين، وأن طرق المشرق والمغرب لم تعد آمنة لحملات الفتح. لكن هذا لا يعني أنه «لم يفتح شبرًا من الأرض»؛ فسلطانه امتد على العراق وفارس واليمن والحجاز، وكانت الكوفة مركزًا قويًا لإدارة شؤون الأمة، وأرسل الولاة إلى الأمصار لضبط العدل والجباية.

رابعًا: ادعاء "هدم الإمبراطورية" و"المناركية"

     هذه عبارات سياسية لا أصل لها في كتب التاريخ. لم يرد أن دولة علي كانت «مناركية» أو ملكية، بل كان نظامها شورويًّا قائمًا على البيعة. أما القول إنه «هدم الإمبراطورية الإسلامية» فباطل؛ لأن الانقسام بدأ قبل خلافته، وهو ورث أمة ممزقة، حاول إصلاحها ولم يسعَ إلى تدميرها. بل نجد في نهج البلاغة الذي جمع كلامه – ما يؤكد سعيه إلى إقامة العدل وحفظ وحدة الأمة، إذ قال: «والله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظالم بخزامته حتى أُورده منهل الحق وإن كان كارها». أي أنه كان يرى الحكم تكليفًا في سبيل إقامة الحق، لا غاية شخصية ولا ملكًا يتوارثه الأبناء.

خامسًا: شهادات المؤرخين

  • الطبري يورد أن عليًّا كان أعدل الناس في القضاء وأقربهم إلى الزهد في الدنيا.
  • المسعودي يقول: «كان من أزهد الناس في الدنيا وأشدهم إنصافًا للرعية».
  • ابن الأثير يؤكد: «لم يُعرف عنه ظلمٌ لرعيته ولا أخذ مالٍ بغير حق، وكان أشدّ الناس في نصرة المظلوم».

وهذه الشهادات من مؤرخين سنّة، لا من أتباع المذهب الشيعي، مما يدل على أن الصورة التي تروّجها بعض المقاطع لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

الخاتمة

    الإنصاف يقتضي أن نقرأ سيرة الإمام علي في سياقها التاريخي، لا بعين التعصب أو التأويل السياسي. فقد عاش زمنًا مضطربًا بين انهيار وحدة الأمة واشتداد الصراع على الحكم، فحاول أن يُعيد للناس ميزان العدالة والحق، لكنه واجه من الفتن ما لم يواجهه أحد من قبله. ومهما اختلفت المذاهب في تأويل الأحداث، يبقى الإمام علي بن أبي طالب رمزًا للعلم والشجاعة والعدل، ومَثَلًا يُحتذى في الصبر على الفتنة لا في إشعالها. «ما ترك لي الحق من صديق» — الإمام علي (ع)


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية