غزة... عنقاء الفقراء ووطن الحلم المصلوب

 

غزة... عنقاء الفقراء ووطن الحلم المصلوب

بقلم عدنان الطائي

غزة...
مدينةٌ لا تموت، بل تغيّر شكلها كلّما مرّت عليها النار.
هي ليست أرضًا من ترابٍ وحجارة، بل روحٌ من صبرٍ ودمٍ وسماءٍ مثقوبةٍ بالرجاء.
كلّ حجرٍ فيها شاهدُ عيانٍ على القيامة،
وكلّ طفلٍ فيها نبيٌّ صغيرٌ لم يتعلّم بعد معنى الخوف.

في غزة، الجوع ليس عارًا،
بل امتحانُ السماء للكرامة.
وفيها، الخبز اليابس يؤكل بقداسة،
كأنه قطعةٌ من وطنٍ يُقسَّم على الأرغفة.

غزة، يا مائدةَ الفقراء،
ويا خيمةَ المشرّدين الذين لا يملكون سوى أغنيةٍ وقطعةِ ضوءٍ من ذاكرة البحر،
كيف استطعتِ أن تحملي هذا الجبل من الحزن دون أن تنكسري؟

تحت أنقاضك تولد القصائد،
ومن رمادك تنبتُ الورداتُ على الشفاه،
كأن الألم عندك يثمر حياة.

أطفالك لا يلعبون، بل يرسمون المعنى بأصابعهم الصغيرة،
ونساؤك لا يبكين، بل يخبزن الأمل فوق النار.
أما شيوخك، فيرفعون وجوههم إلى السماء
كمن يفاوض الله على بقاء الكرامة.

غزة...
يا عنقاءَ التاريخ، كم مرّةٍ حاولوا قتلكِ؟
وكم مرّةٍ خرجتِ من رمادكِ أبهى من الشمس؟
لقد أرادوكِ جرحًا، فكنتِ جرحَ الكرامة.
أرادوكِ صمتًا، فكنتِ صرخةَ الحقّ في وجه العالم الأعمى.

سلامٌ عليكِ يا وطنَ المهمّشين،
يا بيتَ الضعفاء الذين علّمونا أن القوة ليست في السلاح،
بل في أن تبتسم وأنت تحترق.

غزة...
أنتِ الحقيقة حين ينهار الزيف،
والحياة حين يطول الموت.
فيكِ يتجلّى الله على هيئة صبرٍ،
ويتجلّى الإنسان على هيئة نداءٍ لا ينطفئ:
لن أموت، لأنني أحبّ الحياة.”

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية