في يوم المعلّم… تحية للعقل الذي يُنير الوجود

 

 في يوم المعلّم… تحية للعقل الذي يُنير الوجود

بقلم عدنان الطائي

في الخامس من أكتوبر، لا نحتفل بشخصٍ عابرٍ في مهنةٍ كبقية المهن، بل نحتفي بجوهر الإنسان ذاته، بالعقل الذي أنار ظلمات الجهل، وبالكلمة التي أعادت صياغة الوجود على مقياس الفكر والوعي.

المعلّم ليس موظفًا في مدرسة، بل فيلسوفٌ يمارس الإصلاح من جذور الإنسان، يسكب من نوره على عقول الآخرين دون أن ينطفئ. إنّه كالنهر؛ لا يسأل الأرض التي يرويها من تستحق، بل يفيض حيث العطش. ومن هذا الفيض، تنبت الحضارات، وتزهر القيم، وتولد الإنسانية من جديد في كل طفلٍ يتعلّم كيف يفكّر لا كيف يُقلّد.

   يوم المعلّم ليس احتفالًا بالماضي، بل تذكيرًا بالمسؤولية الكونية التي يحملها هذا الكائن الصبور: أن يواجه تيار التفاهة بالمعرفة، وضجيج السطحيات بعمق السؤال، وأن يبقى مؤمنًا بأن إصلاح العالم يبدأ من مقعد صغير ودفترٍ مهترئ وقلمٍ يعاند الفناء.

   كل معلّم هو نقطة ضوء في سفر الوجود، يعلّمنا أن الحرية ليست في الهروب من القيود، بل في امتلاك الفكر الذي يزن الأشياء بميزان الوعي. هو الذي يعلّمنا أن الإنسان لا يُقاس بما يملك، بل بما يُنير، وبما يترك من أثر في العقول والضمائر.

    أيها المعلّم، يا صانع الإنسان قبل أن تُصنع الحضارة، يا من تحوّل الحروف إلى بذورٍ في تربة الوجدان، سلامٌ عليك في عيدك، سلامٌ على صبرك حين تُزرع المعرفة في أرضٍ قاحلة، وسلامٌ على إيمانك بأن الغد يولد من فكرةٍ تُغرس في طفلٍ واحد يؤمن بالحقيقة.

   في يومك هذا، نقف إجلالًا لا لجسدٍ أنهكه الطباشير والوقت، بل لروحٍ حملت مشعل الخلود، روح المعلّم التي تذكّرنا دائمًا أن الجهل يموت حين يتكلّم العقل، وأنّ الإنسان لا يُخلّد بما يكتب على الرخام، بل بما يزرعه في العقول.


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية