الطفل والمعلّم مقالة تربوية بقلم: عدنان الطائي

 

الطفل والمعلّم

مقالة تربوية بقلم: عدنان الطائي

في عالمٍ تتفتح فيه العقول كالأزهار على نور المعرفة، تبرز علاقة الطفل بالمعلّم كأسمى صور الإنسانية وأجملها. إنها ليست علاقة من يُعطي ومن يأخذ، بل هي تفاعل بين روحين؛ روحٍ تستقبل الحياة بعين الدهشة، وأخرى نضجت بالخبرة، فصارت تُهدي الدرب وتزرع المعنى.

الطفل صفحة بيضاء، يكتب عليها المعلّم بالحكمة لا بالحبر، وبالمحبة قبل المنهج. فالكلمة التي تُقال بحنوّ تُصبح بذرةً في القلب، تنمو وتثمر وعياً وجمالاً. أما التعليم الجاف، البعيد عن الروح، فلا يُنبت إلا حفظاً عابراً لا يتجذّر في الوجدان.

المعلّم الحقيقي لا يعلّم الطفل كيف يملأ رأسه بالمعلومات، بل كيف يفتح قلبه للحياة، ويثق بعقله، ويصغي لصوته الداخلي. إنه لا يقف فوق التلميذ، بل يسير إلى جانبه، يكتشف معه دهشة الأشياء، ويمنحه مفاتيح السؤال قبل أجوبة الجاهزين.

وفي المقابل، يُعيد الطفل للمعلّم شبابه الروحي؛ يذكّره بأنّ كل درس هو بداية جديدة، وأنّ في كل عيون صغيرة نظرةُ أمل تحتاج إلى من يصونها. فالتربية ليست مهنة تُمارَس، بل رسالة تُعاش، ومن يعشها بصدق يُسهم في بناء إنسانٍ لا يتعلّم ليعيش، بل يعيش ليتعلّم.

وهكذا، تبقى العلاقة بين الطفل والمعلّم جسراً من نور، يمتد بين جهلٍ يُرجى تجاوزه، وحكمةٍ يُراد بلوغها. جسرٌ إذا ما رُعي بالحب والاحترام، صار طريقاً لبناء جيلٍ يرى في المعرفة خلاصاً، وفي المعلّم أباً للروح لا مُلقِّناً للعقل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية