الهمسة بين المعنى والفن

 

الهمسة بين المعنى والفن

بقلم: عدنان مهدي الطائي

في عالم الأدب، تتعدد الأجناس وتتقاطع الحدود بين الشعر والنثر، بين القصة والومضة، حتى ظهرت الهمسة — ذلك الشكل الأدبي الرقيق الذي يقع بين الوجدان واللغة، بين القول والصمت.

    الهمسة ليست قصيدة طويلة ولا قصة مكتملة الأحداث، بل هي نبضة شعورية مكثّفة، تلتقط لحظة واحدة من الإحساس وتحوّلها إلى عبارة قصيرة، تومض في القلب أكثر مما تُسمع في الأذن. هي أقرب إلى أن تكون إشارة وجدانية، أو صوتًا داخليًا يهمس بما تعجز اللغة الصريحة عن قوله. لكن كثيرًا من الكتّاب اليوم وسّعوا مفهوم الهمسة، فباتت تتخذ شكل نصٍّ قصير يقترب أحيانًا من القصة الوجدانية أو الشعر المنثور، دون أن تفقد جوهرها الهادئ: الصدق العاطفي والاقتصاد في التعبير.

    إذن، يمكن القول إن الهمسة هي فنّ التلميح لا التصريح، والاختزال لا الإطالة. قد تكون سطرًا واحدًا، أو فقرة صغيرة، المهم أن تبقى محتفظة بروحها: تلك اللحظة التي يتكلم فيها القلب بصوتٍ خافتٍ، يسمعه من يشبهنا.

تمهيد لمجموعة همسات على حافة الوجود

   هذه الهمسات ليست حكاياتٍ تُروى، ولا قصائدَ تبحث عن وزنٍ أو قافية، بل هي لحظات وعيٍ عاشها القلب حين تجاوز اللغة ونبضات وُلدت على تخوم الوجود حيث يتعانق الحبّ مع الفلسفة، والحضور مع الغياب، والروح مع الجسد. إنها كلماتٌ تشبه الهمس فعلًا: قصيرةٌ في ظاهرها، عميقةٌ في باطنها، تتحدث بلسان الإنسان حين يكتشف أن الحبّ ليس علاقةً بين اثنين، بل هو بحثٌ أبديّ عن معنى الوجود ذاته. 

همسات على حافة الوجود

1. خارج الزمن

أحبكِ،

لا لأنكِ أنتِ،

بل لأن حضوركِ يمنح الوجود معنى،

كأن الكون كان ناقصًا حتى ابتسمتِ.

2. ما وراء الوجود

كل ما فيّ يتجه نحوكِ

كما تتجه المجرات إلى مركز الضوء،

أراكِ في لحظة الوعي الأولى،

وفي آخر حيرةٍ قبل الفناء.

 3. حدود العدم

حين أفكر فيكِ،

يختلّ النظام الكوني داخلي،

فأصبح ما بين كينونتين:

أنا الذي كنتُ، وأنا الذي أنتِ أوجدتِه.

4. الخلود المؤقت

لا أطلب بقاءكِ،

فالبقاء وهمُ الفانين،

لكنّني أريد أن أذوب فيكِ لحظةً

تساوي دهور الوجود.

5. صدى الوعي

كلّ حبٍّ لا يهزّ الفكرة لا يستحق أن يُسمّى عشقًا،

وأنا، مذ عرفتكِ،

أصبحتُ أشكّ في حدودي،

وأؤمن أن الإنسان خُلِق ليحبّ أكثر مما يُفسّر.

6. تجلي الغياب

في غيابكِ أراكِ أكثر،

وفي حضوركِ يغيب العالم،

كأنّ الغياب هو الحقيقة،

والحبّ هو الدليل الوحيد على أننا وُجدنا حقًّا


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية