التحليل الجدلي للدعوة الإسلامية.. وقاعدتها مفاهيم الحداثة في التغيير

 

التحليل الجدلي للدعوة الإسلامية.. وقاعدتها مفاهيم الحداثة في التغيير

بقلم عدنان الطائي

       إن غالبية المثقفين التقدميين يتوجهون نحو دراسة فكر غربي او أدب غربي ويتعاطون ثقافة تتناول أمثال دانتي وشكسبير ودوستويفسكي وآخرين ، في حين يغضون الطرف عن حقائق التاريخ والمعرفة التي تتعلق بالرموز العظيمة في تاريخهم العربي ، وفي مقدمتها النبي العظيم ، أي ان عُشقنا للأدب الغربي الإنساني لا يتعارض مع اطلاعنا الضروري على العمق الأصيل لتاريخ الثقافة العربية والفكر العربي ، لان هذه الثقافة وذلك الفكر لا يعني انهما في ذمة الماضي وليسا مقطوعين الصلة بالحاضر ، إنما هو تاريخ كامل الغنى ويمثل أعمق خصائص الأُمة العربية عبر التاريخ لان الفكر الحديث هو بالضرورة امتداد لفكر قديم ولا يأتي من فراغ . فالكتابات السردية والنمطية الروتينية ما أسهلها، ولكن ما أصعب الكتابات المتفانية التي تلهج وراء الحقيقة، الحقيقة بكل
 وجوهها: في الحق، في العدل، في الجمال، في الجلال، في الحكمة، في الكرم والتضحية. الحقيقة سواء كانت في التاريخ او في السياسة، في الأدب او في أي حقل آخر من حقول المعرفة لكي تكون بمستوى الأمل والطموح.

       إن الكثير من العظماء الذين اضطروا الى انتهاج الشدة في التغيير السياسي والاجتماعي والعسكري، انتهجوا أسلوب العنف، ولم يدعوا للرقة والرحمة تدخل في قلوبهم، فسقطوا في تيار الخشونة والقسوة. ولكن الكثير من هؤلاء ساروا على نهج محمد (ص) في التوفيق بين الشدة التي يتطلبها إحقاق الحق وبين الرقة والرحمة، أي اجتمعت في النبي الواقعية السياسية والقيادية الجادة مع المثالية والتأملية واستلهام الوحي التي جعلت منه خاتم الأنبياء، ولا يعني هنا آخر الأنبياء فقط وإنما بمعنى انه اجتمعت في شخصه المزايا الجليلة لجميع الانبياء من رهافة وشفافية عجيبة، ففيه رقة وسماحة عيسى مثلما فيه قوة موسى بدون خشونة، فصار أول من حقق نظرية اندماج الممارسة الواقعية بالتأملية الكبرى، بعيدا عن الرهبنة. من هنا يمتد الخط الإسلامي امتدادا ناصعا من الخالق الى المخلوق مبتدأ من قداسة النبي الكريم بقداسة معدنه الإنساني النبيل الذي كان ماثلا وحاضرا منذ الطفولة في أعمق المعاني والدلالات المثيرة للجدل. جاء محمد (ص) وهو من قبيلة قريش الأُرستقراطية المميزة، جاء النبي من وسط واقع جاهلي، صحراوي، همجي، تجاري، قاس، شديد القسوة من جميع الوجوه والجوانب والجهات، غير انه جَبل نفسه على الرحمة وكان شديدا عند إجراء التغيير دون المساس بشجرة الرحمة والرقة. ترعرع النبي وسط مجتمع امتاز بسلطان الوثن وسلطان المال وسلطان السياسة، هؤلاء الذين لم يستوعبوا الحكمة المحمدية ((ما أنا إلا رحمة مهداة)) والتي تضم في حناياها معاني كثيرة منها انطوت على أهمية الديمقراطية والعلاقات الحرة المتكافئة بين الناس لان الارض هي إرث الصالحين المؤمنين بقيمة الإنسان وبالتالي بقدسية حقه في التفكير والتعبير والتعايش.    فكانت تتحرك في عروقه دماء عرب شبه الجزيرة واعتزازه بماضيه حين كان يتيما وحين كان راعي غنم وحين كان في ضيق من العيش، كل هذا كان يحتاج فقط الى مؤشر الهداية لتصحو في الإيمان فكان محمد(ص) هو الذي سيقوم بدوره رسولا للهداية ضد الضلال، فاستجابت نفسه الى صوت الله تعالى وشرحت صدره سورة الضحى وأزالت الإبهام والقلق والتحير بقوله تعالى)) والضحى والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى. وللآخرة خير لك من الأولى. ولسوف يُعطيك ربك فترضى. ألم يجدك يتيما فآوى. ووجدك ضالا فهدى. ووجدك عائلا فأغنى. فأما اليتيم فلا تقهر. وأما السائل فلا تنهر. وأما بنعمة ربك فحدث)). إذن لتكون رسالته رحمة وهدى لليتامى والفقراء والمعذبين، وهي واضحة كوضوح الشمس: فأما اليتيم فلا تقهر، فالقهر مرفوض رفضا باتا بكل صوره وأشكاله. فالقهر المادي النابع عن الاستغلال والاضطهاد، والقهر المعنوي النابع عن خنق الحرية الإنسانية ومحاصرة الإنسان في أفكاره وفي رغباته وفي اختياراته. واما السائل فلا تنهر، فالسائل يسأل حقا ويطلبه، والنَهر اعتداء على حق السائل وكرامته، حقه في قوته وفي عيشه وفي عمله ورزقه، فالنعمة نعمة الله أولا وأخيرا. فأما بنعمة ربك فحدث، والتحدث ليس تذكيرا بالحقيقة وبالنعمة فقط، بل انه ناموس يجب إشاعته ليظهر من رجس المال وسيئات الملكية المتفاقمة، فالمال مال الله والسلطان سلطان الله فلا يحق لأحد ان يقهر أحد او يتكبر او يتجبر او يستغل، ويحول غالبية البشر الى فقراء وعبيد، ومأجورين، وشحاذين، ومسحوقين.

       فكان في ذهن محمد (ص) صور اليتامى والفقراء والجائعين والمظلومين، أصبحوا هؤلاء فيما بعد المادة البشرية لدعوة محمد في التغيير، علاوة على ذلك انتماءات طبقية ومهنية أُخرى. أما النذير فكان تذكيرا رهيبا بالغضب الألهي الذي هو غضب العدالة الاجتماعية الذي سيهدد حتما ويقتص من الظالمين والكافرين باسم الله وبنعمته. ومن هنا وجد مسؤوليته تبتدئ من الإنسان من الارض من الكد، لان العمل هو الذي يعطي الإنسان قيمته، ويكشف الإنسان نفسه فهو ينتج فيتغذى. وهذا ما قام به محمد(ص) متحديا بوعي الرسالة سلطة رأس المال التجاري والأرستقراطية الملكية المترفة المتطفلة على دماء الفقراء، فكانت هذه المرحلة مرحلة تمرين جسدي وروحي لبلورة الطاقة الشخصية باتجاه ممارسة الدور القيادي في خطوات جادة منتظمة ومتصاعدة.

       فكانت اللوحة جلية ومشبعة بالدلالات الحكيمة. فالرسالة التي أعطاها الله جاءت منطوية على إنقاذ الناس من يُتم الحياة وبؤسها مثلما تنقذهم من الوثنية والضلال.  ومن الطبيعي إن أية فكرة ثورية جديدة طامحة للتغيير والبناء الإنساني العادل، فلا بد من الحاجة الى نصير ومعين، فكان الناصر هو إيمان خديجة وعلي بن ابي طالب وزيد بن حارثة، هدية مباركة الى الرسول، فمثلما هو هدية الرسول الى الناس. فأصبح للنبي مساران متوازيان ومترابطان ومتحدان أبدا: اولهما المسار الروحي العظيم وثانيهما المسار العملي التطبيقي للقيم. وهذين المسارين يشكلان أنموذجا فريدا من نوعه في الوحدة الروحية والعملية، وهذه المزايا النادرة قلما تجتمع لأحد من الأنبياء والعظماء الخالدين، تلك المزايا أثمرت عن بناء العالم الإسلامي الكبير على أساس العدل والحق والمساواة. فما كان على الطغاة إلا إشهار الحرب الشديدة ضد المسلمين ونحو الديانة الجديدة، نحو التغيير الجذري، فشعروا بان مصالحهم مهددة وان الثورة قادمة لا محال وهي ثورة التغيير الاجتماعي لا تعرف المهادنة، فزاد من قمعهم ضد المستضعفين بإتباع أساليب تقليدية بالتعذيب في حر الرمضاء، لأنهم على علم من ان التهديد قادم إليهم من القاعدة الشعبية من الناس الذين ما كانوا ليحسبون لهم حسابا.. عندها افترضت متطلبات تأسيس رابطة حكم أقرب الى الإدارة الذاتية المسيسة بإشراف النبي وباعتماد علاقة التشاور الطبيعية والديمقراطية بين القيادة والقاعدة الاجتماعية. وهذا يعني ان الخطوة الاولى يجب ان تبتدئ بتحقيق وحدة اجتماعية متراصة في النطاق الإسلامي بإخضاع الصراعات الداخلية لصالح تلك الوحدة، فكان النجاح في تحقيق مبدأ المؤاخاة التي ساهمت في القضاء على الفوارق الطبقية والتموضعات القبلية. وهذا يعتبر توافق سياسي وعقائدي وتنظيمي مدهش ، اذ حققت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين عن تكوين دولة بلدية مدنية في المدينة ( يثرب) وأصبح دستورها المعاهدة التي أوعز بكتابتها رسول الله بين المهاجرين والأنصار واليهود ، وهو أول عقد سياسي – اجتماعي ينقل الحياة الاجتماعية من القبلية المتنافرة الى الوحدة السياسية لعرب المدينة ، وقد تحققت عبر خطوات تدريجية متكاملة سياسيا واقتصاديا وعسكريا بالمحتوى الإسلامي ، فتوفرت للدولة البلدية مؤسساتها العسكرية (الجيش) كما توفر للدولة جهازها الفني والسياسي ممثلا بالكتبة والمترجمين والسفراء ، وأصبحت المدينة العاصمة فيما بعد عندما كان الرسول يغادرها على رأس الجيش المحارب في الغزوات ومستخلفا على العاصمة من ينوب عنه طيلة فترة غيابه . وفي ظل هذه المتغيرات في المفاهيم تحول اسمها من يثرب الى المدينة.. ومن هنا بدأت عصرنة الحياة بسياسة جديدة خارجة عن مفهوم الرهبنة.

       عندما تنامت مكانة الإسلام في المدينة وأصبح لها تأثيرا على خارجها تفاقمت نشاطات المنافقين، من الرأس المال التجاري واصحاب المصالح الشخصية الممثلة باليهود بالدرجة الاولى، مستغلين الصراع الدائم بين الأوس والخزرج من اجل الزعامة، لكون المناخ الاجتماعي والأيديولوجي العام كان مشجعا لذلك. لذلك نرى ان دراسة النبي للواقع العربي المعقد بكل خصائصه السياسية والقبلية والثقافية والاقتصادية كانت عونا كبيرا في استحداث طرائق جديدة للتغيير. فكانت خطوات الرسول تأسيسية بمعنى انها مبتكرة لكنها شديدة التفهم للحاجات الموضوعية الحقيقية وقوية الاستجابة لها بالمنطق الإسلامي ومن خلال دوره النبوي المميز اولا ومن خلال دور الصفوة المؤازرة والمقاتلة وصولا الى تأسيس حركة جماهيرية إسلامية متنامية ومتعاظمة. وهذا ناجم من ان اخلاقيات النبي هي نبوية مستغرقة في العام، أي في صلب الواقع الغني والمعقد للمجتمع الإسلامي، وليس من طراز التأملية الرهيفة التي تصل الى حد الرهبنة في العزلة والانفراد والتسبيحات الروحية الخاصة، وانما كان انغماسا وتجديدا للواقع السياسي الطبقي. وبنفس الوقت كان النبي يستجيب الى نداء القران لكي يوضح المسافة بين الفكرة القرآنية والفكرة المحمدية.

       واخيرا جاء صوت الحق يهدر: (هم الأخسرون ورب الكعبة) فسأله أبو ذر من هم؟ فقال: (الأكثرون أموالا)، الذين قالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين. فأجابهم رب العزة: (وإذا أردنا ان نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) ويُعد التحذير القرآني من طبقة الأغنياء المتعالية والمنعزلة عن المجتمع الفقير، منظارا أبديا مطلق الصحة، وقد أعطت سورة الحشر هذا التحذير في كلمات فائقة الدلالة: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) وهذا يعني الرفض للاحتكار والربا والترف على حساب فقر الفقراء وعوز المستضعفين.. يعني رفضا لاي نظام اقطاعي رأسمالي، وهذا نابع من النظرة الشمولية التي قررها القرآن، وهي ان الله وحده له ملك السماوات والأرض. فجاء العدل المحمدي، الذي هو عدل الإسلام، وجاءت التطبيقات ذات القدسية التي تمكنت من خلق عالم جديد، من وسط عالم أهوج شديد الاضطراب. وكان إيمان النبي بالإنسان هو موضع اطمئنانه التام، لان الإنسان ضحية ظروفه الجائرة على أي نحو كانت، سياسيا واقتصاديا وفكريا. وقد عبر النبي أخلد تعبير قائلا: (الإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيانه). وانطلق محمد النبي بسياسة التغيير من قاعدة حداثوية هي فكرة التوحيد.. توحيد الرب وتوحيد الطبقات الاجتماعية.

الخلاصة

   التحليل الجدلي للدعوة الإسلامية يركز على فهم الأسس الفكرية والاجتماعية التي اعتمدها النبي محمد لنشر الإسلام التي لم تقتصر على الجانب الديني، بل امتدت الى تنظيم حياة الناس سياسيا خاصة من خلال تطبيق مبدا التوحيد كأداة لتغيير البنية الاجتماعية والثقافية في الجزيرة العربية وأصبح كقاعدة فكرية ثورية أيديولوجية في مجتمع قبلي متعدد الالهة.. فالتوحيد ليس فقط دعوة دينية، بل أداة لتحرير الأفراد من السلطة المطلقة للكهنة والزعماء القبليين الذين استخدموا المعتقدات الوثنية لتكريس نفوذهم. كما شكّل الاسلام تحولًا جذريًا في مجتمع قبلي قائم على التمايز الطبقي من خلال اعتبار الجميع متساوين أمام الله. ومن خلال الزكاة والصدقات، أسس النبي نظامًا يعزز العدالة الاجتماعية، مما ساعد على التقريب بين الطبقات المختلفة وتحقيق نوع من الوحدة الاقتصادية والاجتماعية. فكانت نظرت النبي نظرة شمولية للتغيير حتى ذهب الى ابعد من ذلك في عقد التحالفات والتدرج في التشريعات. اذ تعامل النبي مع الواقع بتدرج وحكمة، ما يبرز فهمه لتحديات المجتمعات المعقدة وإيجاد حلول عملية تتفق مع القيم الإسلامية.  كما وضع النبي دستورًا يعتبر من أقدم الوثائق المدنية في التاريخ، حيث شمل بنودًا لتنظيم العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين (اليهود والمشركين) مستلهما من اية الكافرون (لكم دينكم ولي دين)، بما يضمن التعايش السلمي والعدالة. ويمكن تقدم رؤية في الفصل بين الدين والسياسة، مع احترام حريات الآخرين. هذه الآية، التي تُعبّر عن مبدأ التعايش السلمي والتنوع في العقائد، قد تؤدي ايضا إلى مفهوم الحرية الدينية الذي يسمح لكل فرد بأن يتبع دينه أو معتقده بحرية دون تدخل من الدولة أو من أفراد آخرين.. حنى أرسى النبي قواعد الدولة المدنية من خلال تنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يدل على فهم حداثوي لإدارة المجتمعات.. وبعبارة أخرى إذا ما كان يتم الأخذ بمبدأ "لكم دينكم ولي دين" بجدية، يمكن أن يكون فصل الدين عن الدولة سبيلاً لتحقيق المساواة والعدالة، حيث يُمنح الجميع حرية المعتقد والتعبير، ويتم ضمان حقوق الإنسان لجميع الأفراد دون فرض دين أو معتقد معين عليهم. وفي الوقت نفسه، يبقى الدين داخل دور العبادة ويُحترم دون أن يتداخل مع السياسة أو قوانين الدولة. ومن هذه الرؤية لا حرج دينيا الذهاب الى حكم علماني معتدل يعترف بوجود الله.

   من كل ذلك عكس استيعاب النبي لضرورة التكيف مع حتمية حداثة الظروف آنذاك لتحقيق التغيير، وهو على علم ان الدعوة لم يسعَها فقط لهدم النظام القديم، بل لخلق نظام جديد بديل مستقر، وهو ما تجلى في تأسيس دولة إسلامية مدنية في يثرب، نعم، انتهج نهجًا مدنيًا حداثويًا في يثرب (المدينة المنورة) وأن هذا النهج جاء متسقًا مع مفهوم التوحيد، ليس فقط من الناحية الدينية، بل أيضًا من الناحية الاجتماعية والسياسية. وتغيير اسم يثرب إلى "المدينة" عكس هذا التحول الكبير نحو بناء مجتمع جديد يقوم على قيم العدالة والمساواة وعكس ايضا نحو توحيد القبائل المتناحرة وأوجد نظامًا سياسيًا واقتصاديا واجتماعيا مستقرًا يكتنفه مبادئ الحرية والمساواة وتطبيق عدل السماء.. حيث نجح النبي في توحيد القبائل المتناحرة وإدماجها تحت راية الإسلام، مما قلل من الفوارق والصراعات القبلية، من خلال سياسة المؤاخاة التي كانت خطوة عملية لتعزيز التكافل الاجتماعي وإزالة الحواجز الطبقية بين الفقراء والأغنياء، والسادة والعبيد.

   وكان هذا التغيير يعني (الحضارة والتنظيم) لم يكن مجرد تغيير شكلي، بل كان رسالة رمزية تدل على بناء مجتمع جديد يتميز بالنظام والانضباط والمساواة.. يقوم على وحدة الهدف والمصير، حيث أصبحت التقوى والعمل الصالح معيار التفاضل، بدلًا من العرق أو الطبقة.

     ولذلك ان الدعوة الإسلامية بُنيت على جدلية التوحيد كقوة موجهة لتحرير الفرد وتوحيد المجتمع، حيث شكلت أساسًا فكريًا ومنهجيًا لعملية التغيير الشاملة التي قادها النبي محمد. هذا النهج الحديث والمرن في وقته يعكس عمق رؤية الإسلام في إحداث تحول جذري دون الإضرار باستقرار المجتمع. فالإسلام لم يتعارض مع الحداثة في إدارة شؤون المدينة، بل أصبح قاعدة فكرية تهدف إلى توحيد البشر كإخوة متساوين أمام الله، وهو ما انعكس في ايجاد نظاما مدنيا قائما على القيم الإنسانية مثل العدل، التعاون، والشورى وقائم على هيكلة الجهاز الإداري للدولة بتعيين الوزراء والسفراء والكتاب والمترجمين علاوة الى تأسيس جيش لحماية حدود الدولة من الغارات والهجمات.

    لذلك ان اتباع النبي النهج المدني في المدينة المنورة قد اظهر فهمًا عميقًا ومبكرًا لمبادئ الحداثة في التنظيم الاجتماعي والسياسي. هذا النهج لم يتعارض مع وحدانية الله، بل عززها، اذن كان التوحيد وجهان لعملة واحدة.. توحيد الالهة وتوحيد الطبقات.      

 

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية