(اميرة الجبال).. حين تتجسد الإرادة في أنوثة أسطورية.. للروائية دعاء محمود(مقالة ادبية)

 

ميرة الجبال).. حين تتجسد الإرادة في أنوثة أسطورية.. للروائية دعاء محمود

قراءة نقدية في سردٍ خيالي يختزل رحلة الإنسان من الانكسار إلى الخلود
 
إعداد: عدنان الطائي

 مقدمة

في عالمٍ تتقاطع فيه الأسطورة بالحقيقة، والخيال بالحكمة، تولد الحكايات الكبرى التي تُعيد تشكيل وعي الإنسان بنفسه وبقدره. من بين هذه الحكايات، تبرز قصة الكاتبة دعاء محمود «أميرة الجبال» كواحدة من النصوص الأدبية التي تمزج بين الأسطورة الأنثوية والبطولة الإنسانية في قالبٍ لغويٍّ آسر، يعيد للأنثى حضورها العاقل والمهيب في ساحة الأدب العربي الحديث.

 من الرفاه إلى المنفى.. ومن المنفى إلى المجد

تبدأ الحكاية في مملكةٍ شرقيةٍ عامرة بالخير، تعيش فيها الأميرة مونتانا حياة الرفاه والنعيم إلى أن يهجم أمير البحار، فيأسر أباها ويستولي على الحكم. هنا يبدأ التحول الكبير، حين تهرب الأميرة إلى الجبال، لا كلاجئةٍ مكسورة، بل كروحٍ تُعيد اكتشاف ذاتها. وفي أعالي الصخور، تتشكل الأسطورة: امرأة تتحد مع الطبيعة، تروّض الذئاب، وتجمع شتات البشر لتصنع مملكة جديدة من رماد الانكسار.

 البناء الأسطوري والرحلة الإنسانية

النص يقوم على بنية أسطورية كلاسيكية، تستلهم نموذج “رحلة البطل” كما صاغها جوزيف كامبل، ولكن في صورةٍ أنثوية نادرة: من الخسارة إلى النهوض، ومن النفي إلى الحكم. وهنا تخلق الكاتبة توازناً جمالياً بين السرد البطولي والروح الشعرية، فتجعل من مونتانا كائناً يتجاوز حدود البشر إلى مرتبة الرموز الخالدة.

 الذئاب والجبال.. رموز الحرية والفطرة

لم يكن اختيار الذئاب مصادفة؛ فهي تمثل الطبيعة البرية التي تخضع لمن يفهمها لا لمن يقهرها.
تُطوّعها مونتانا بحكمتها، لا بعنفها، لتصبح رمزاً لانتصار العقل على الغريزة، والرحمة على القوة العمياء. أما الجبال، فهي موطن السموّ والعزلة والتأمل، حيث يُعاد بناء الإنسان بعيداً عن ضجيج السلطة.

 المرأة – الرمز

مونتانا ليست امرأة عادية، بل كيانٌ أسطوريٌّ يجمع بين:

  • نعومة الأنثى وذكاء الحاكم.
  • جمال الروح وعدالة القلب.
  • وسحر الجاذبية وقوة القرار.

هي صورة حديثة لـ“عشتار” و“زنوبيا”، لكنها ابنة هذا العصر؛ تؤمن بالعلم، وتنصر الحرية، وتُشيّد مملكة لا تقوم على السيف، بل على الفكر والولاء الإنساني.

 الرسالة الإنسانية

خلف بريق الأسطورة، يختبئ صوت إنسانيٌّ عميق يدعو إلى:

  • مقاومة الاستبداد والظلم.
  • بناء الذات بعد الانكسار.
  • الإيمان بالقدرة على تحويل الألم إلى قوةٍ خلاقة.

إنها ليست فقط حكاية أميرة، بل مرآة لكل إنسانٍ يحاول أن ينهض من رماد هزيمته ليصنع مجده بيديه.

 اللغة والإيقاع..

لغة النص تشبه أغنيةً جبليةً قديمة، تنبض بالمجاز والرمز، وتتوهّج بصورٍ لغوية تلامس الحسّ والجمال في آنٍ واحد: ناعمة كحد السيف، قوية كغمده، بتارة كنصله.” بهذه الجملة وحدها، تلخّص الكاتبة فلسفتها: أن الأنوثة لا تُناقض القوة، بل تُكمّلها.

 خاتمة

(أميرة الجبال) ليست مجرد قصةٍ خيالية، بل بيانٌ أدبيٌّ في تمجيد الإرادة الإنسانية، واحتفاءٌ بالأنوثة التي تصنع التاريخ لا تتبعه. الكاتبة دعاء محمود تنسج من الحكاية ملحمة رمزية تُعيد للمرأة العربية موقعها في الأسطورة الحديثة، كصانعةٍ للسلام، ومحرّكةٍ للحياة، وراعيةٍ للعدل، والجمال. ويبقى اسم مونتانا محفوراً على صخور الذاكرة، كصوتٍ خالد يقول:

من الجبال تولد الممالك، ومن المرأة تولد الأساطير.”

.. نبذة عن سيرة الكاتبة

دعاء محمود كاتبة وصحفية مصرية، تمتلك أسلوباً أدبياً مميزاً يجمع بين الرهافة اللغوية والوعي الإنساني العميق. تُعرف في الأوساط الثقافية بلقب «قلب مصر» لدفء قلمها وحسّها الوطني والإنساني الرفيع. تتناول في أعمالها موضوعات الحرية، المرأة، والانتماء بروحٍ شعريةٍ قادرة على تحويل الحكاية إلى تجربةٍ رمزيةٍ نابضة بالحياة.
من خلال نصوصها، تسعى إلى إحياء الأسطورة بوصفها مرآةً للواقع، وإلى إعادة الاعتبار لقوة الجمال والعقل في زمنٍ يتسارع فيه كل شيء إلا القيم.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية