أعياد الميلاد

قصة قصيرة من الأدب الرمزي الوجودي

بقلم: عدنان الطائي

احتسيتُ على قلقٍ نصفَ كوبي...
بادلتني نظراتَ عينيها، وهي قابعةٌ خلف نظّاراتها السوداء.
كانت أذني تقترب من منضدتها،
ولم نتبادل سوى جملةٍ بتراء،
لكنها لامست شغافَ القلب،
حين ارتسم على شفتيها خيطُ ابتسامةٍ بالكاد استلمها قلبي.

وحيدًا كنتُ أمشي في شوارعِ رأسِ السنة،
كحصانِ ناعورٍ أُسقي أرضي،
والأذرعُ تتعانق مع الكؤوس...
هم جالسون قبالتي،
وأنا أحدّق من حولي كعصفورٍ ينظر إلى الربيع
من وراء قضبانِ سجنه.

تعالى الهتافُ من فم الأرصفة،
ورقص الناسُ، وحتى البناياتُ والأشجارُ والغيوم.
لكزني أحدُهم هامسًا:
ــ هناك... أطفالٌ يئسوا من الانتظار،
فناموا قربَ براميلِ القمامة،
بلا هدايا... ولا فطار.

وانسلَّ ضميري مسرعًا بين الزحام، يبحثُ بغضبٍ عني.
كيف لي أعرفُ، سيدي؟
وأنا ضحيةُ من قتلَ نفسَه!

تعالَ نتحاسب...
افرش دفاترك،
وأنا أفرش أمعائي.
انظرْ...
لم تَعُد لديّ أصابعٌ للتلويح بها،
لكثرة ما عضضتُها من ندمي.
ولم يَبقَ دبقٌ في لساني،
لكثرة ما لحستُ به شفتيّ.

وأخيرًا...
هل ستتذكّرني المرايا،
صاحبةُ النظّاراتِ السوداء، حين غِبتُ عن رشدي؟
تقدّمتُ خطوةً نحو المرايا التي غابت خلف نظّاراتها،
ولمحتُ في زجاجها صدًى لوجهٍ أعرفه...
يشبهني، حين كنتُ أحتفل حقًّا.

أم أني صرتُ ظِلًّا بلا وجهٍ،
في زمنٍ يحتفلُ بالنسيان؟

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية