الكاتب يسمو حين تُكرَّم كلماته وتُقدَّر

 

 الكاتب يسمو حين تُكرَّم كلماته وتُقدَّر

إعداد: عدنان الطائي

  حين نُكرم الكلمة، نرتقي بالإنسان. فالكاتب لا يطلب مجدًا شخصيًا بقدر ما يسعى لأن يترك أثرًا في الوعي الجمعي، وأن يُوقظ في القارئ شعلة السؤال. إنّه لا يكتب ليُصفّق له الناس، بل ليشعل فيهم ومضة الفهم والتأمل. ومع ذلك، يبقى في داخله ذاك الطفل الحالم الذي ينتظر لمسة تقدير، نظرة اعتراف، أو كلمة إشادة تعيد له الإيمان بأنّ صوته لم يذهب في فراغ.

   الكاتب، حين تُقدّر كلماته، لا يزهو بنفسه، بل يزهو بالكلمة ذاتها. فالكلمة التي تُحتفى بها تتحوّل إلى جسر بين العقول والقلوب، وتكتسب خلودها من احترام المتلقّي لها. إنّها تخرج من ضيق الورق إلى سعة الأثر الإنساني، وتغدو جزءًا من الذاكرة الثقافية للجماعة. كم من كاتبٍ عاش فقيرًا في دنياه، غنيًّا في فكره، لم يجد من يفهمه في زمنه، لكنه حين أُعيد اكتشافه بعد الرحيل، أصبحت كلماته نبراسًا للأجيال. وهنا تكمن المفارقة: أن الاعتراف المتأخر لا يمنح الكاتب حياة، لكنه يمنح الإنسانية درسًا في قيمة التقدير. تقدير الكلمة ليس تصفيقًا عابرًا، بل فعل وعي. أن نقرأ بعمق، أن نختلف باحترام، أن ننقد بعلم، أن نُصغي لما وراء الحروف. فالقارئ الواعي يهب الكاتب حياةً ثانية، لأنه يعيد إنتاج النصّ داخل ذاته، ويمنحه معنى جديدًا. والكاتب، حين يجد هذا الصدى، يسمو فوق جراحه، ويتحوّل قلمه إلى ضوء لا يخبو.

الكتابة مسؤولية، والتقدير وعي.

   ومن التقاء المسؤولية بالوعي يولد الإبداع الحقيقي، حيث يصبح الكاتب شريكًا في بناء الوجدان الإنساني لا مجرد ناقلٍ للحروف. فلنكرّم الكلمة كما نكرّم صاحبها، لأن في كل كلمة صادقة روح كاتبٍ أخلص لرسالته، ووهبها شيئًا من عمره، ومن ذاته. وحين نُنصت حقًّا، ونعرف كيف نُقدّر، نكون قد شاركناه سموَّه وخلوده.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية