اليهودية والعبقرية: بين الثقافة والتاريخ والسياسة

 

اليهودية والعبقرية: بين الثقافة والتاريخ والسياسة

بقلم عدنان الطائي

طُرح عليَّ سؤالا لماذا ان معظم الفلاسفة والمفكرين والاقتصاديين من الديانية اليهودية ويُصف البعض منهم   بالعباقرة؟  

فكان جوابي وتحليلي كالاتي

لقد لاحظ الكثير من القراء والباحثين في مجالات الأدب، الفلسفة، والعلوم، أن هناك نسبة ملحوظة من الشخصيات البارزة من اليهود. يظهر هذا بشكل خاص في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث برز علماء وفلاسفة وكتاب، مثل ألبرت أينشتاين، زيغموند فرويد، كارل ماركس، فرانز كافكا، وإسحاق سنجر، بالإضافة إلى شخصيات بارزة في الاقتصاد والمال مثل عائلات روثتشيلد.

العوامل الثقافية والتاريخية وراء هذا التفوق

1.  ثقافة التعليم والدراسة المجتمعات

  اليهودية في الشتات، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط، أعطت قيمة كبيرة للتعلم، سواء الديني أو العقلاني. هذا التركيز على التعليم منذ الصغر خلق بيئة خصبة للمعرفة النقدية والتفكير التحليلي، وهي صفة أساسية للابتكار في العلوم والفلسفة وحتى الأعمال.

2.  التحفيز عبر التحديات الاجتماعية

  اليهود في كثير من مناطق العالم واجهوا اضطهادات وقيودًا اجتماعية وسياسية، مما دفعهم إلى التميز في المجالات التي كانت متاحة لهم. هذا دفعهم إلى تطوير مهارات عقلية ومالية عالية، ساعدتهم على النجاح في مجالات مثل التمويل والتجارة والاستثمار، على الرغم من القيود المفروضة على ملكية الأراضي أو الوظائف الحكومية. 

3.  شبكات الدعم الاجتماعي

المجتمعات اليهودية كانت تعتمد على شبكات داخلية قوية من المعرفة والدعم، وهو ما وفر فرصًا تعليمية وتجارية لأفرادها، وساعد في نقل الخبرات من جيل إلى آخر بطريقة منظمة.

العبقرية لا تعني الانتماء السياسي

من المهم التأكيد على أن العبقرية الفكرية أو الاقتصادية ليست مؤشرًا على الانتماء الصهيوني أو تأييد سياسات دولة إسرائيل. فهناك فرق واضح بين الثقافة والتعليم والتاريخ الاجتماعي وبين الأيديولوجيات السياسية. ليس كل يهودي ناجح أو بارز في مجاله مرتبطًا بالصهيونية أو بمواقف سياسية محددة. والأهم أن معظم هذه العقول البارزة كانت بعيدة عن التعصب الديني أو العرقي، وركزت على خدمة الإنسانية من خلال العلم والفكر والإبداع.

مقارنة مع العقول غير اليهودية

التاريخ البشري غني بالعباقرة من كل الأديان والثقافات:

  • العرب في العصر الذهبي قدموا علماء كبار مثل ابن سينا والفارابي.
  • الأوروبيون في الثورة العلمية أخرجوا علماء مثل نيوتن وغاليليو.
  • الهنود قدموا مساهمات كبيرة في الرياضيات والفلسفة منذ آلاف السنين.

الفرق ليس في القدرة العقلية أو الموهبة، بل في الظروف الاجتماعية والثقافية التي تساعد على اكتشاف وتطوير هذه القدرات. التركيز على التعليم، التكيف مع القيود، والشبكات الاجتماعية هي عوامل لعبت دورًا مهمًا في تفوق بعض الجماعات، بما في ذلك اليهود، في مجالات محددة. 

خاتمة: العليم والحليم

    وقد أشار القرآن الكريم إلى بعد رمزي عميق في قصة إبراهيم عليه السلام، حين بُشّر بـ غلام عليم هو إسحاق – أبو اليهود – وبـ غلام حليم هو إسماعيل – أبو العرب. جاء الوصف الأول بالعلم، والثاني بالحلم، وكلاهما صفة إنسانية راقية وهبة إلهية عظيمة. من هنا يمكن فهم أن التاريخ لم يكن يومًا سباقًا لاحتكار الفضائل، بل هو تكامل بين العقل والحلم، بين المعرفة والصبر. وإذا كان بعض اليهود قد تفوقوا في ميادين العلم والاقتصاد، فإن كثيرًا من العرب وغيرهم تفوقوا في مجالات الأخلاق، والكرم والصبر والإبداع. الدرس المستفاد أن العلم بلا حلم قد ينقلب إلى تعصب أو استغلال، والحلم بلا علم قد يصبح ضعفًا واستسلامًا. أما الجمع بينهما فهو ما يحقق التوازن الإنساني الذي أراده الله تعالى للناس جميعًا.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية