بيان ميلاد الفلسفة الإنسانية المعاصرة تحت عنوان (فلسفة النور الإنساني)
بيان ميلاد الفلسفة
الإنسانية المعاصرة تحت عنوان
(فلسفة النور الإنساني)
بقلم عدنان الطائي
نحن، أبناء هذا العصر،
نقف على عتبة ميلاد فلسفة جديدة. فلسفة لا تكرر ما سبقها من أنساق ميتة ولا تستنسخ
ما أنتجته عصور الاستغلال والقهر. فلسفة تنبع من نور الإنسان نفسه، من جوهره
الحرّ، من توقه العميق إلى العدالة والكرامة والحق في أن يكون كائنًا مكتمل الوجود.
إنّ فلسفة النور
الإنساني لا تُبنى على غموض الميتافيزيقا ولا على أدوات السوق الرأسمالي، بل على
وضوح العقل، وعلى الإحساس بالآخر كامتداد للذات. هي فلسفة تُسقط جدران الاستغلال
والهيمنة، وتعيد ترتيب العلاقة بين الفكر والحياة، بين الحرية والمسؤولية، بين
الفرد والكون.
إنها ليست مجرد تنظير،
بل بيان تنبيه إلى عهد جديد: عهد تصبح فيه الفلسفة خادمة للإنسان، لا سيدًا
عليه؛ محررة للعقل، لا سجّانة له. فلسفة تزرع الأمل بدل العبث، وتفتح أفق المعنى
بدل فراغ الاستهلاك.
بهذا الإعلان، نُعلن
ميلاد فلسفة جديدة: فلسفة النور الإنساني، لتكون بداية مسار فكري
يضع الإنسان في مركز المعادلة، ويجعل العقل والحرية والكرامة مناراتٍ تضيء درب
المستقبل.
الفلسفة بين النور
والظل: بيان نحو فلسفة إنسانية جديدة
بقلم: عدنان الطائي
المقدمة: الفلسفة..
مرآة الإنسان وظله
منذ أن بدأ الإنسان
يتساءل أمام السماء والنجوم، ولدت الفلسفة كصوت داخلي يبحث عن المعنى. لكنها لم
تكن أبدًا نورًا صافياً وحده؛ بل كانت مثل المرآة: تكشف الوجه وتحتفظ بالظل. في
تاريخها نجد صوت الحرية يعلو، لكنه يجاوره في كثير من الأحيان صوت الإقصاء
والتبرير. إن الفلاسفة الكبار، رغم عبقريتهم، كانوا بشرًا محكومين بزمنهم، يضيئون
الطريق بيد، ويعتمونه بالأخرى. وهذا هو سر التناقض: أن يكتب فيلسوف عن الحرية، ثم
يبرر العبودية؛ أن يتغنى بالعقل، ثم يغلق أبواب العقل على الآخرين.
الفصل الأول: التناقض
كقدر للفلسفة
الفلسفة ليست صرحًا
مكتملًا، بل حركة لا تنتهي، تشبه النهر الذي يَمحَق ما يعترضه ليشق مجراه. لكن هذا
الجريان لا يخلو من دوامات. التناقض عند الفلاسفة ليس عيبًا عرضيًا، بل
نتيجة حتمية لكونهم جزءًا من زمنهم:
- أسباب موضوعية: ضيق المعرفة
المتاحة، محدودية الأدوات، وغشاوة التاريخ.
- أسباب غير موضوعية: تحيزات الذات،
غرور الحضارة، نزعات التفوق القومي.
وهكذا، يصبح التناقض قدرًا للفكر، لكنه أيضًا فرصة؛ فكل تناقض يكشف عن حاجة لتجاوز جديد، لحقيقة أوسع.
الفصل الثاني: هيغل..
فيلسوف الحرية وأسير المركزية
هيغل، سيد الجدل وصانع
مفهوم الحرية في تاريخ الفلسفة، قدّم للعالم رؤية للتاريخ بوصفه مسارًا يتقدم نحو
الوعي بالحرية. ومع ذلك، وضع خطًا فاصلًا حادًا: أوروبا وحدها مسرح الروح، أما
أفريقيا فهي "خارج التاريخ"، والصين والهند وبابل ومصر ليست إلا بدايات
لم تنضج. أي مفارقة أعظم من هذه؟ أن فيلسوف الحرية يكتب بمداد الإقصاء. أن من
بنى جدلية تجاوز التناقضات، يعجز عن تجاوز تحيز عصره. وهنا يتجلى الوجه المظلم:
فلسفة تفتح أبوابًا للعقل الأوروبي، لكنها تغلقها أمام قارات كاملة.
الفصل الثالث: أنوار
بظلال
وليس هيغل وحده. فكانط
الذي قال "الإنسان غاية لا وسيلة" صنّف البشر مراتب. وفولتير الذي نادى
بالتسامح استثمر في العبودية. وروسو الذي كتب "العقد الاجتماعي" لم يسمع
صرخات العبيد في المزارع. إن أنوار أوروبا العظيمة لم تكن بلا ظلال؛ فقد
أضاءت طرق الحرية في الشمال، لكنها تركت الجنوب في عتمة الاستغلال. كأن الفلسفة
وُلدت بوجهين: وجه يحرّر الداخل، ووجه يبرر السيطرة على الخارج.
الفصل الرابع: الفلسفة
حين تتحول إلى سلاح
مع صعود الرأسمالية، لم
تعد الفلسفة ملكًا للكتب فقط، بل صارت ذخيرة أيديولوجية. هيغل برر الاستعمار في
القرن التاسع عشر. أما في القرن العشرين، فقد قدّم ليو شتراوس أدوات فكرية
للمحافظين الجدد، فتحولت رؤيته عن "العدل الإلهي" إلى مبرر لغزو العراق
وأفغانستان. لقد هبطت الفلسفة من مقامها كبحث عن الحقيقة إلى
أداة في يد السياسة، تُلبس الاحتلال ثوبًا أخلاقيًا، وتُخفي المصالح تحت شعارات
كبرى.
الفصل الخامس: نحو
فلسفة إنسانية معاصرة
إذا كانت الفلسفة
الماضية قد حملت هذا التناقض، فإن مسؤوليتنا اليوم أن نؤسس لفلسفة جديدة: فلسفة
بلا ظلال استعمارية، بلا هيمنة، بلا عنصرية.
- فلسفة تعترف بأن الحضارة ليست شجرة
أوروبية، بل غابة إنسانية، جذورها في الصين والهند وبابل ومصر وأفريقيا
وأمريكا اللاتينية وأوروبا معًا.
- فلسفة لا تُستخدم كسلاح بيد القوى
الكبرى، بل كجسر بين الشعوب.
- فلسفة تضع الإنسان، كل إنسان، في مركزها:
كائنًا يستحق الحرية والكرامة بلا شرط.
- فلسفة تواصل مسيرة "المحو"
بمعناها الإيجابي: أن تمحو التناقضات القديمة لا لتقصيها، بل لتتجاوزها نحو
إنسانية أرحب.
الخاتمة: ولادة الفلسفة
الجديدة
الفلسفة ليست قبرًا
للأفكار الماضية، بل ولادة مستمرة. ومن بين ظلال التناقض، يشرق فجر جديد. اليوم، نحن مدعوون إلى كتابة فصل مختلف: فلسفة معاصرة، إنسانية، أكثر
عدلًا، أكثر رحمة، وأكثر تحررًا من استغلال رأس المال وقوى الهيمنة. هذه ليست دعوة إلى هدم التراث الفلسفي، بل إلى تحريره من أغلاله،
وإعادة توجيهه إلى غايته الأولى: خدمة الإنسان كلّه، في
كل مكان.
تعليقات
إرسال تعليق