دراسة نقدية لكتاب محنة التغيير للكاتب الأمريكي أريك هوفر

 

دراسة نقدية لكتاب محنة التغيير للكاتب الأمريكي أريك هوفر

ترجمة حياته

إريك هوفر (1902–1983) هو فيلسوف أمريكي من أصل يهودي، اشتهر بلقب "فيلسوف عمال الموانئ" نظرًا لعمله كعامل تحميل في سان فرانسيسكو، حيث كتب مؤلفاته الفلسفية. أحد أشهر أعماله هو كتاب The True Believer (المؤمن الحقيقي)، الذي نُشر عام 1951، والذي يُعد دراسة نفسية واجتماعية حول نشوء الحركات الجماهيرية.

محنة التغيير بين الوجود والضرورة

بقلم: عدنان الطائي

) التغيير ليس عدوًا، بل مرآة تكشف ما في داخلنا من ضعف وقوة، خوف ورغبة، فلتواجهه العيون المفتوحة لا المغلقة) اقتباس 

   حين تناول إريك هوفر في كتابه محنة التغيير فكرة التحول الإنساني، نظر إليه بوصفه تجربة وجودية تهزّ أعماق الفرد والجماعة معًا. التغيير عنده ليس مجرد انتقال اجتماعي أو سياسي، بل لحظة مواجهة مع الخوف والرغبة، مع القلق والرجاء، مع الانهيار وإمكانية الانبعاث. ولهذا اعتبره "محنة" تضع الإنسان أمام هشاشته مثلما تفتح له بابًا على الأمل.

   لكن هوفر، في انشغاله بهذا البعد النفسي ـ الوجودي، لم يمنح الحتمية التاريخية للتغيير ما تستحقه من تأمل. فالتاريخ، في جوهره، لا يعرف الجمود. الحضارات تتحرك كما تتحرك الأنهار، والشعوب تعبر من ضفة إلى أخرى مهما كلفها التيار من آلام. التغيير إذن ليس خيارًا استثنائيًا، بل قاعدة إنسانية وشرط للتنمية والارتقاء.

    المحنة التي يصفها هوفر قد تكون ـ في منظور آخر ـ مرحلة طبيعية لا مفر منها، مثل فترة النقاهة التي تعقب الشفاء من المرض. فالمريض، بعد أن يُنقذ من خطر الموت، لا يستعيد عافيته فجأة؛ بل يمرّ بمسار من الاستجمام والتكيّف قبل أن ينهض للحياة من جديد. كذلك المجتمعات بعد التغيير: إنها تحتاج إلى وقت لتعيد بناء ثقتها، ولتستوعب ما فقدته، ولتتعلم كيف تسكن بيتها الجديد.

   من هنا يبرز دور القائمين على التغيير: ليسوا مجرد مشعلي الشرارة، بل رعاة للمرحلة الانتقالية. عليهم أن يضعوا في خططهم زمن النقاهة: برامج للتأهيل، مساحات للتنفيس، وجسور لإعادة الثقة. وإلا فإن الصدمة التي أرادوا بها الإنقاذ قد تنقلب عبئًا على النفوس، فيعود الخوف أقوى من الرجاء.

    بهذا المعنى، يمكن القول إن التغيير ليس فقط "محنة"، بل هو أيضًا "سنة تاريخية". هو ضرورة لا تُقاوَم، لكنه يحتاج إلى رعاية واعية تعترف بأن الإنسان، مثل جسده، لا يشفى بالعملية وحدها، بل بما بعدها. وهنا يكمن النقد الإيجابي لكتاب هوفر: لقد حلّل التوتر الوجودي للتغيير بعمق، لكنه لم يلتفت بما يكفي إلى أن التغيير ـ في جوهره ـ ليس شذوذًا عن التاريخ، بل هو قلب التاريخ النابض.

ومضة أخيرة

التغيير أشبه بالفجر الذي يولد من رحم الليل: يجيء بارتباك الألوان بين العتمة والنور، لكنه لا يلبث أن يصير شمسًا دافئة تنضج الثمار وتعيد للحياة معناها. وكما تنبت شجرة خضراء من رماد الحريق، كذلك ينهض الإنسان من محنته، أكثر وعيًا بضعفه، وأشد إيمانًا بقدرته على البدء من جديد.

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية