كافكا وأسطورة الأصول: نقد لتزييف التاريخ

 

كافكا وأسطورة الأصول: نقد لتزييف التاريخ

عدنان الطائي

في عالم يتسابق فيه البعض لتوظيف التاريخ والأدب لخدمة أجنداتهم، يُصبح الكاتب العالمي فرانز كافكا ضحية لكل من يريد اختطاف رموزه الثقافية.. في زمن تكاد فيه وسائل التواصل الاجتماعي تفرض سردياتها على الحقيقة، تنتشر إشاعات وادعاءات غريبة حول الشخصيات التاريخية. من بين هذه الإشاعات، الادعاء بأن فرانز كافكا، الكاتب العالمي، له أصول أمازيغية، أو أنه أديب إسرائيلي لأنه يهودي. وكلتا الروايتين تتجاهلان الحقيقة التاريخية الثابتة، ويصبّان في خانة تزييف الهوية الثقافية.

كافكا كما هو

وُلد فرانز كافكا عام 1883 في براغ، لعائلة يهودية أشكنازية تتحدث الألمانية. عاش كافكا في قلب أوروبا الوسطى، وكتب باللغة الألمانية، وكانت براغ مصدر إعجابه وإلهامه الأدبي. توفي كافكا عام 1924، أي قبل إنشاء دولة إسرائيل بـ 24 سنة، وقبل صعود النازية والاعتقالات الجماعية. لذا فإن أي محاولة لتقديمه كأديب "إسرائيلي" أو معارض للنازية هي افتعال تاريخي واضح.

جذور الشائعات

انتشرت فكرة الأصول الأمازيغية أو الإسرائيلية لكافكا نتيجة سوء فهم لبيانات أنساب جينية أو الرغبة في ربط الرموز الثقافية بهويات قومية. على سبيل المثال، تشير بعض الدراسات الجينية التجارية إلى أن السلالة الأبوية المنسوبة إليه هي E-M96، وهي سلالة واسعة الانتشار في شمال إفريقيا والبحر المتوسط وأوروبا، لكن هذا لا يمنح أي إثبات للانتماء الثقافي أو القومي.

تزييف الهوية: بين الأدب والسياسة

الادعاءات التي تجعل من كافكا "أمازيغياً" أو "إسرائيلياً" ليست بريئة؛ فهي تعكس ميلًا لتوظيف الأدب لخدمة مصالح قومية أو دينية. هذه الممارسة تحوّل حقائق تاريخية وأدبية إلى شعارات سياسية، فتطمس شخصية الأديب الحقيقية، وتقلل من القيمة الإنسانية الشاملة لإبداعه.

الحقيقة الواقعية

فرانز كافكا، بكل ما تركه من أعمال خالدة مثل "المسخ" و"المحاكمة" و"القلعة"، هو أديب عالمي، تتجاوز أعماله الحدود القومية والدينية. الحديث عن أصله الأمازيغي أو صبغه بالإسرائيلية لا يضيف إلى فهمه شيئًا، بل يبعد القارئ عن جوهر تجربته الأدبية والفكرية.

كلمة أخيرة

الدفاع عن الحقيقة التاريخية والأدبية ليس ترفًا أكاديميًا، بل موقف أخلاقي. حين نتصدى لمزوري التاريخ، نحن نحمي ذاكرة الإنسانية ونعيد للأدب حريته من محاولات اختطاف الهوية. كافكا، ابن براغ، يهودي الهوية الدينية، كاتب ألماني اللغة، يظل رمزًا إنسانيًا عالميًا، خارج أي محاولات لتحديده بأصول أو جنسيات ضيقة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية