ماركس في عصر الخوارزميات: نحو ماركسية مرنة للقرن الحادي والعشرين
ماركس في عصر
الخوارزميات: نحو ماركسية مرنة للقرن الحادي والعشرين
عدنان
الطائي
تعريف
الماركسية
-
الجانب المنهجي التحليلي
الماركسية ليست وصفة
جاهزة لبناء اقتصاد، بل هي أداة تحليل ونقد تكشف التناقضات البنيوية في أي نظام،
خصوصًا الرأسمالي، فهي منهجية لا
كنظام.. اذ لم يقدم ماركس خطة اقتصادية تفصيلية، بل قدّم منهجًا جدليًا
لتحليل المجتمع والتاريخ.. هي إذن
"نظارة" نرى بها التناقضات: فائض القيمة، الاستغلال الطبقي، إعادة إنتاج
الهيمنة… إلخ. لذلك
يمكن القول انها ليست نظاما اقتصاديا بمعنى الكلمة، بل هي أداة نقدية أساسية.
وتؤمن الماركسية في جوهرها بالحتمية التأريخية والتغيير، باعتبار أن التاريخ يتحرك عبر صراع التناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج. لذلك، أي نظام مهما بدا إنسانيًا فهو غير
مستدام -حتى الفكر الماركسي نفسه- لأنه يحمل بذور تناقضه في داخله،
كونها لا تقدم نظامًا ثابتًا، بل تقول:
"راقب، انقد، وحين تتضخم التناقضات وتفرض الحتمية التاريخية نفسها، سيأتي
التغيير الحتمي". لذلك
ستساعدنا الماركسية على ولادة فكر جديد من رحم هذه التناقضات، وهي ليست بالضرورة
ان تهزم قانون الازمات الرأسمالية.
-الجانب
التطويري
كثير من الماركسيين المعاصرين يختلفون حولها: هل الماركسية مجرد أداة تحليل نقدية، أم يجب
أن تتطور لتصبح أيضًا مشروعًا اقتصاديًا عمليًا يقف بوجه الرأسمالية
والنيوليبرالية؟ بعد ان كشفت عن تناقضات الرأسمالية منذ
القرن التاسع عشر: فائض القيمة، الاستغلال الطبقي، الدورات الاقتصادية. لكنها لم تضع "دستورًا اقتصاديًا"
كاملًا. لذلك كثيرون يقرأونها كعدسة نقدية لا أكثر. لكن عندما تبلورت وأصبحت مشروعا ضمن هيكلية الحكم في (الاتحاد السوفيتي،
الصين الماوية) تحولت إلى "تجارب تطبيقية" لكنها حملت تشوهات:
البيروقراطية، القمع، المركزية المفرطة. هنا يبرز دور ماركسية القرن 21:
تطوير مشروع اقتصادي مستند إلى التحليل الماركسي لكن محدث بآليات معاصرة: ملكية اجتماعية مرنة (ليست مركزية صارمة). دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إعادة
توزيع الثروة. اقتصاد أخضر بيئي يواجه
أزمة المناخ. ديمقراطية تشاركية تمنع
تسلط البيروقراطية باسم الاشتراكية. فالماركسية لا تبدأ من
"فراغ" بل من تجربة تاريخية هائلة (من روسيا إلى كوبا إلى الصين)، يمكن
أن تُستخلص منها دروس عملية. لذلك
نقول: أي مشروع اقتصادي بديل لا بد أن يستند إلى منهجها، لأنها الأداة الوحيدة
التي تفضح التناقضات وتمنع تكرار أخطاء الرأسمالية.
باختصار:
الماركسية إذا بقيت مجرد "نقد" ستظل ناقصة. وإذا تحولت إلى
"مشروع اقتصادي" مرن، متكيف مع الواقع العالمي الجديد، عندها فقط يمكن
أن تنافس الكينزية والنيوليبرالية كنموذج حضاري بديل.
ومن هنا نطرح سؤال: هل نتصور هذا المشروع
الاقتصادي الماركسي الجديد أقرب إلى الاشتراكية الديمقراطية (مثل النوردية لكن
مطعّمة بالتحليل الماركسي)؟ أم أنه يجب أن يكون قطيعة جذرية مع كل أشكال
الرأسمالية القائمة؟ فالجواب ينبغي ان
نوظف الحتمية التاريخية كما صاغها ماركس وإنغلز: أي أنّ كل نظام جديد لا يولد من
العدم ولا يقوم على قطيعة مطلقة، بل يتطور من تراكم التناقضات داخل النظام القديم. اذن لا قطيعة مطلقة، لان التاريخ لا يعرف
"قفزات خارج السياق" بل يعرف انتقالات جدلية: من الإقطاع إلى
الرأسمالية، ومن الرأسمالية إلى ما بعدها.. فكل مرحلة تحمل بداخلها عناصر من
السابقة: الرأسمالية مثلًا أبقت على الملكية الخاصة لكنها كسرت الإقطاع،
والاشتراكية حين تنضج ستبقي على عناصر إنتاجية وتكنولوجية من الرأسمالية، ولكن
بروح جديدة. وهنا
يعني خضع الفكر على الضرورة التاريخية:
الرأسمالية رغم وحشيتها خلقت شرطين أساسيين للانتقال: قوى إنتاج متقدمة جدًا (التكنولوجيا، الأتمتة،
الذكاء الاصطناعي (. تواصل عالمي يجعل
الصراع ليس محليًا، بل كونيًا.
اذن
أي مشروع ماركسي جديد لن يكون قطيعة، بل تجاوزًا داخليًا للرأسمالية
باستخدام أدواتها نفسها (التكنولوجيا – السوق – التراكم – لكنه باتجاه اجتماعي (.
كما أن التاريخ لم يشهد "قطعًا نهائيًا" إلا في الكتب، بينما الواقع
دائمًا خليط مثلا (الرأسمالية ما زالت تحوي بقايا إقطاع، والاشتراكية التي ستأتي
ستحمل بقايا من الرأسمالية)..
عندها سنحتاج الى مرحلة انتقالية تاريخية تمهد لنظام أكثر عدلا كاشتراكية ديمقراطية متقدمة
فالماركسية مشروع تطوير جدلي لا هدم مطلق،
ولا يمكن أن نقول: "غدًا سننهي الرأسمالية"، بل سنشهد تطورًا
تدريجيًا يأخذ من الرأسمالية أدواتها ويعيد توجيهها لصالح الجماعة.
هنا يُطرح سؤال: هل نتصور أن الماركسية
الجديدة ستتشكل تدريجيًا داخل الرأسمالية المتقدمة (الغرب)، أم أنها ستولد أولًا
من أطراف النظام العالمي حيث التناقضات أكثر حدة (الجنوب العالمي مثل العراق،
أفريقيا، أمريكا اللاتينية)؟ فالإجابة
باختصار نحن بحاجة الى ماركسية مرنة طالما نحن نؤمن بالحتمية التاريخية على انها
نسبية ليست مطلقة، وعند ماركس ليست قدرًا ميكانيكيًا مطلقًا، بل
عملية نسبية تتفاعل مع الوعي البشري، والسياسة، والظروف الموضوعية. لو نوضح أكثر:
- ماركس لم يقصد أن
التاريخ يسير أوتوماتيكيًا كما تسير آلة، بل أن هناك قوانين عامة (صراع طبقي،
تناقض بين قوى وعلاقات الإنتاج (.، لكن كيفية تحقق هذه
القوانين، وتوقيتها، ومساراتها، تبقى نسبية وتخضع لتدخل البشر والوعي والتنظيم،
لتصبح ماركسية مرنة، لان إذا بقيت "جامدة" كما في التجارب
القديمة (اللينينية–الستالينية) تحولت إلى بيروقراطية. وأنها قادرة على التكيّف مع التغيرات (العولمة، الثورة
الرقمية، الاقتصاد المعرفي). وتستوعب التعددية
الثقافية والفكرية. ولا تفرض نموذجًا واحدًا،
بل تسمح بتجارب متنوعة حسب السياق المحلي.
- بما أن الحتمية
التاريخية نسبية، فهذا يعني أن الانتقال من الرأسمالية لن يكون نسخة واحدة. قد يظهر في أوروبا شكل "اشتراكية
رقمية" قائمة على الذكاء الاصطناعي وتوزيع الدخل الشامل. فمثلا في أمريكا اللاتينية قد يظهر شكل
"اشتراكية مجتمعية" قائمة على الجماعات المحلية والتضامن، وفي منطقتنا
(الشرق الأوسط) قد يكون الحل في
"اشتراكية وطنية ديمقراطية" تواجه الطائفية والتجزئة. إذن: الماركسية المرنة ليست خيانة للفكر الماركسي،
بل هي وفاء لجوهره الجدلي: كل شيء يتحول، حتى
الماركسية نفسها يجب أن تتحول تاريخيا.
ومن هذا الطرح يبرز سؤال مثير للجدل وهو
القديم الجديد: هل نرى أن هذه "المرونة الماركسية"
يجب أن تبقى داخل إطار الاقتصاد السياسي فقط، أم تمتد لتشمل أيضًا الثقافة والدين
والفكر المجتمعي حتى نعالج تناقضاتنا الخاصة كعرب ومسلمين؟
فكانت الإجابة بتأثير الحتمية التاريخية يجب ان تدخل في المعرفة
الرقمية لان هذه المعرفة الرقمية ستظهر تناقضات كما ظهرت في عصر المكننة.. يعني كما أحدثت المكننة (الثورة
الصناعية الأولى) تناقضات طبقية هائلة بين العامل وصاحب رأس المال، فإن المعرفة
الرقمية (الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي) ستنتج تناقضات جديدة لا تقل خطورة. اذن دعونا نفصّل:
- من المكننة إلى الرقمنة:
المكننة قلّصت دور الحرفي التقليدي وخلقت "العامل الصناعي". الرقمنة اليوم تقلّص دور العامل الصناعي
والفكري معًا، وتخلق ما يُسمى العامل الرقمي/المعرفي، وفي المقابل تُضاعف قوة
"رأس المال الرقمي" (شركات التكنولوجيا الكبرى).
-
برزت التناقضات الرقمية: كاحتكار المعرفة:
قلة من الشركات (غوغل، أمازون، مايكروسوفت، علي بابا…) تحتكر الذكاء
الاصطناعي والبيانات. وظهور
فائض قيمة جديد، لم يعد العامل ينتج
بيديه فقط، بل بياناته نفسها أصبحت سلعة (كل نقراتنا على الإنترنت تتحول إلى
أرباح). عندها
نتج تهميش بشري.. الأتمتة والذكاء الاصطناعي
يهددان ملايين الوظائف، مما يخلق طبقة واسعة من "العاطلين الرقميين.
من هنا يبرز دور
الماركسية المرنة: يجب أن تدخل في المعرفة الرقمية لتكشف هذه التناقضات الجديدة: من يملك البيانات يملك السلطة. من يتحكم في الذكاء الاصطناعي يحدد مصير
المجتمعات. والرقمنة قد تعيد إنتاج
الاستغلال، ولكن بأدوات ناعمة. وولادات نقابات وحركات عمالية
كما حصل في عصر المكننة، فإن عصر الرقمنة سيولّد حركات عدالة رقمية (Digital
Justice) واشتراكية معرفية. لان الماركسية المرنة قادرة أن تكون البوصلة التي
تنظّم هذا الصراع الجديد.
باختصار:
نحن أمام رأسمالية رقمية جديدة، والماركسية إذا لم تدخل هذا الميدان ستفقد
صلاحيتها. أما إذا طوّرت أدواتها النقدية تجاه الرقمنة، فستصبح مرشدًا أساسيًا
لفهم وتغيير العالم القادم. كون التناقضات الرقمية
ستخلق طبقة عاملة جديدة رقمية (مبرمجين، مستخدمي الذكاء الاصطناعي، صانعي
البيانات) يمكن أن تكون بديلاً عن "البروليتاريا الصناعية" الكلاسيكية. يمكن أن نسميه (البروليتاريا الرقمية أو طبقة العصر الرقمي
(.
وهذا بالضبط امتداد طبيعي لمنهج ماركس: التناقضات تظهر مع كل مرحلة من تطور
قوى الإنتاج، فتنتج طبقات جديدة وصراعات جديدة. دعونا نرتّب الصورة:
1.
طبقة
مسيطرة على الإنتاج:
هم
مالكو شركات التكنولوجيا العملاقة GAFAM – غوغل، آبل،
فيسبوك/ميتا، أمازون، مايكروسوفت + شركات الصين والهند. يسيطرون على: البيانات + الخوارزميات + منصات الاتصال + الذكاء
الاصطناعي. بمعنى آخر: يملكون
وسائل الإنتاج الجديدة تمامًا كما كان الرأسمالي يملك المصانع في عصر المكننة.
2.طبقة أسيرة لظروفها الاقتصادية:
هذه هي الطبقة العاملة الرقمية: المبرمجون،
الكودرز، مصممو الأنظمة، وحتى المستخدمون الذين "يعملون دون أن يعرفوا"
لأن بياناتهم تتحول إلى رأس مال. تكون ظروفهم هشة: عقود
قصيرة، عمل عن بُعد بلا ضمانات، فقدان وظائف بسبب الأتمتة. وبالتالي هم "أسرى" احتياجات العصر: لا
يمكنهم الانسحاب من النظام الرقمي لأنه شرط حياتهم اليومية (العمل، التعليم،
الصحة، التواصل).
بالمحصلة ستبرز تناقضات جديدة: كما كان العامل الصناعي
يبيع قوة عمله الجسدية، فإن العامل الرقمي يبيع قوة عمله الفكرية والمعرفية، لكن
الفرق أن النظام الرقمي لا يكتفي بذلك، بل يسلبه أيضًا بياناته الشخصية ويحولها
إلى سلعة. من هذا يخلق فائض قيمة
مزدوج: من عمله المباشر + من بياناته غير المدفوعة.
وبالتالي ووفق الضرورة التاريخية، كما ولّدت المكننة
النقابات العمالية والثورات الصناعية، فإن الرقمنة ستولّد حركات جديدة للمطالبة
بالعدالة الرقمية، ملكية جماعية للبيانات، وربما حتى فكرة "الدخل الرقمي
الأساسي وهنا بالضبط تأتي
الماركسية المرنة لتفسير هذه التناقضات وتنظيم وعي الطبقة الرقمية الجديدة.
إذن،
نحن أمام إعادة إنتاج للصراع الطبقي لكن بأدوات جديدة. الطبقة المسيطرة رأسمالية البيانات. الطبقة الأسيرة: بروليتاريا رقمية. من هنا تبرز حاجة البروليتاريا الرقمية إلى
أشكال تنظيم جديدة (مثل نقابات رقمية، أو حركات افتراضية)، كما أشرنا سابقا أم أن
الأطر التقليدية للنقابات واليسار ما زالت صالحة لتأطير هذا الصراع. لكن الطبقة
العاملة الرقمية تحتاج إلى أطر جديدة:
1. نقابات رقمية عالمية: ليست محلية أو قطاعية،
بل عابرة للحدود لأن السيطرة الرقمية نفسها عابرة للحدود.
2. حركات افتراضية: التنظيم لن يكون فقط في
المصانع أو الشوارع، بل على المنصات الرقمية، بوسائل مشفرة، موزعة، لا مركزية.
3. أدوات مقاومة تقنية: مثل المطالبة بملكية جماعية
للبيانات، برمجيات مفتوحة المصدر، خوارزميات شفافة. اقتصاد
4. تضامني رقمي: إنشاء شبكات بديلة
(منصات اجتماعية، أسواق رقمية) تدار بشكل تعاوني بدلًا من الاحتكار الرأسمالي.
وأخيرا ان الحتمية التاريخية إذن
تدفعنا لفهم أن:
·
الأطر القديمة لم تعد
تكفي، لأنها ولدت في سياق مختلف (المصنع – خط الإنتاج).
·
الذكاء الاصطناعي
سيُنتج علاقات إنتاج جديدة، وبالتالي أشكال نضال جديدة تتناسب مع طبيعة السيطرة
الرقمية.
باختصار:
إذا لم تُغيّر الحركات اليسارية والعمالية أطرها بما يلائم عصر الذكاء
الاصطناعي، ستبقى أسيرة الماضي، ولن تستطيع التعبير عن تناقضات الحاضر.
ومن هنا
يبرز سؤال: هل نتصور أن هذه الأطر الجديدة ستظل ذات طابع
طبقي–اقتصادي بحت (كما في الماركسية الكلاسيكية)، أم ستتوسع لتشمل أيضًا قضايا
الحرية الفردية، الخصوصية، والعدالة الرقمية كجزء من النضال الجديد؟
نعم.. إذا كان كل شيء في الوجود نسبيًّا (حتى الأفكار وما ينتجه العقل)، فإن الذكاء الاصطناعي
أيضًا أداة نسبية، يمكن أن يكون في خدمة التحرر أو في خدمة القمع. قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى وسيلة لتكميم الأفواه
عبر: المراقبة الشاملة
(التعرف على الوجوه، تتبع البيانات). والتلاعب بالوعي الجمعي (الخوارزميات التي
توجّه الرأي العام) ,إنتاج "حقائق
مزيفة" deepfake، الأخبار الموجهة. وهذا لا يمس فقط الاقتصاد أو الصراع الطبقي،
بل يدخل مباشرة في:
1. قضايا الحرية الفردية: حرية التعبير، حرية
التفكير، الحق في الخصوصية.
2. العدالة الرقمية: من يملك الخوارزميات
يملك القدرة على منح أو منع الحقوق.
3. المجتمع والسياسة: يصبح التحكم في الذكاء
الاصطناعي شبيهًا بالتحكم في "العقل الجمعي للبشر.
ومن هنا سنكتشف: بما أن الحتمية التاريخية نسبية،
فهي لا تقود فقط إلى صراع اقتصادي، بل إلى صراع على المعنى والحرية أيضًا. والأطر الجديدة التي تحدثنا عنها لن تكون
اقتصادية فقط، بل فكرية–ثقافية–حقوقية، لأن الذكاء الاصطناعي سيجمع بين الاستغلال
المادي والسيطرة الفكرية.
إذن: الماركسية المرنة التي
نحتاجها لا بد أن تتوسع لتصبح مشروعًا شاملًا:
·
اقتصادي (ضد الاستغلال
الرقمي).
·
سياسي (ضد الاستبداد
الرقمي).
·
ثقافي–حقوقي (من أجل
حرية الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي).
هل
يا ترى أن المواجهة مع "الذكاء الاصطناعي السلطوي" ستكون ممكنة عبر
تنظيم عالمي (عابر للحدود) لأن السيطرة رقمية كونية، أم أن البداية يجب أن تكون من
النطاق المحلي لكل بلد كخطوة أولى؟
فالإجابة نعم وقد يحصل في السنتين القادمتين، لأنه متسق مع ما بيناه من ان الحتمية التاريخية
نسبية ومتدرجة، وان التحولات القادمة لن تأتي كـ"قفزة فجائية" أو ثورة
رقمية واحدة، بل كسلسلة من الأزمات والتناقضات تتراكم حتى تفرض التغيير، قد نشهده في السنوات
القادمة:
1. تصاعد الهيمنة الرقمية: مزيد من احتكار
البيانات والذكاء الاصطناعي بيد شركات كبرى وحكومات.
2. بروز أزمات اجتماعية جديدة: بطالة رقمية، تفاوت
معرفي، تلاعب بالوعي الجمعي.
3. ظهور مقاومة تدريجية: حركات حقوق رقمية،
نقابات افتراضية، مبادرات مفتوحة المصدر، قوانين محلية ودولية.
4. تحول الوعي العام: الناس سيدركون أن
الذكاء الاصطناعي ليس "محايدًا"، بل أداة صراع طبقي–سياسي.
5.
ولادة أطر بديلة:
من رحم هذه التناقضات سيولد شكل جديد من الماركسية المرنة، يوازن بين
الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية في العصر الرقمي.
وبما أن كل شيء نسبي،
فالمشهد لن يكون واحدًا في كل مكان: ربما تبدأ المواجهة من
المراكز المتقدمة (أوروبا/أميركا) عبر حركات قانونية وضغط شعبي. بينما في الأطراف (الجنوب العالمي) ستأخذ شكل
احتجاجات اجتماعية ضد الاستغلال الرقمي وربطه بالاستعمار الاقتصادي.
إذن، ما نتنبأ به قد يكون صحيح
ان التغيير قادم لا محالة، لكنه سيأتي بشكل متدرج وبإيقاعات مختلفة، وفق مبدأ
الحتمية التاريخية النسبية.
هل تتصور أن هذا التغيير التدريجي سيأخذ طابع
إصلاح داخلي للنظام الرأسمالي الرقمي (كما حدث مع الكينزية بعد أزمات القرن 20)،
أم أنه سيتطور تدريجيًا ليؤسس مرحلة ما بعد الرأسمالية الرقمية؟
الجواب نعم قد يكون النظام الرأسمالي أكثر نفعا. إذا ما ننظر للأمر بمنظار الجدلية التاريخية:
فكما أن كل أزمة في الرأسمالية لا تؤدي بالضرورة إلى انهيارها، بل غالبًا
تدفعها إلى التكيف والإصلاح، كذلك سيحدث مع الرأسمالية الرقمية. سيدفعنا الى التساؤل: كيف يمكن أن تصبح
الرأسمالية أكثر نفعًا من الحاضر؟
1.
التكيف الذكي:
الرأسمالية أثبتت مرونتها، فهي تتبنى إصلاحات حين تُجبر (كما حدث بعد أزمة
الكساد العظيم 1929 → كينزية، وبعد أزمة السبعينيات → نيوليبرالية).
2. الضغوط الاجتماعية والسياسية: مع تصاعد التناقضات
الرقمية (بطالة، تكميم أفواه، فقدان خصوصية)، ستُجبر الحكومات والشركات على تقديم
تنازلات: دخل أساسي، تشريعات لحماية البيانات، ضرائب على شركات التقنية.
3.
دمج الذكاء الاصطناعي
بالعدالة الاجتماعية: إذا أُجبر رأس المال
على "توزيع ثمار التكنولوجيا" بشكل أكثر عدلًا، فقد يولد نوع من
الرأسمالية الاجتماعية الرقمية، أكثر نفعًا مما نراه اليوم.
ولكن هنا تبقى جدلية
أخرى: الرأسمالية، حتى لو
صارت "أكثر نفعًا"، ستظل تحمل بذور تناقضها. فالإصلاحات غالبًا مرحلية، تنجح في امتصاص
الغضب لكنها لا تلغي الاستغلال من الجذور. لذلك، ما نتوقعه منطقي: سنرى رأسمالية أكثر
نفعًا (مرحليًا)، لكن على المدى الأبعد ستفتح هذه الإصلاحات الباب لمرحلة ما بعد
الرأسمالية الرقمية.
إذن، نحن أمام سيناريو
مزدوج:
- على المدى القريب → رأسمالية أكثر نفعًا عبر إصلاحات
تقنية–اجتماعية.
- على المدى البعيد → تحول نوعي يتجاوز الرأسمالية نفسها، حين
تعجز الإصلاحات عن معالجة التناقضات الجديدة.
هل يا
ترى أن هذا "النفع المرحلي" للرأسمالية الرقمية قد يُضعف فرص ولادة
مشروع ماركسي جديد (لأن الناس سيرون التحسينات ويكتفون بها)، أم أن التناقضات ستظل
متراكمة مهما كانت الإصلاحات؟ الجواب كما ارى واقرا على السوشيل ميديا هناك حملة واسعة ويبدو
ستكون ممنهجة في نشر افكار ماركس والتشجيع على الاخذ بها وملاقحتها مع ما حدث من
تطور الحداثة لتكون مرنة وقبلة للتطبيق
نعم بالضبط، ما نلاحظه
على السوشيال ميديا ليس صدفة، بل جزء من مرحلة تراكم ووعي جماعي جديد، ويمكن
قراءته في سياق الحتمية التاريخية النسبية التي ناقشناها. ولكن هناك بعض النقاط
المهمة:
1. الترويج الممنهج
o
الحملات على السوشيال
ميديا تعمل على إعادة تقديم الماركسية بأسلوب مرن ومتوافق مع الحداثة الرقمية.
o
التركيز ليس على
التكرار الجامد للتجارب التاريخية، بل على ملاقحتها مع واقع اليوم: الاقتصاد الرقمي،
الذكاء الاصطناعي، الحقوق الرقمية، الحرية الفردية.
2. التأثير على الوعي الجماعي
o
وسائل التواصل اليوم
تُتيح للطبقة الجديدة (البروليتاريا الرقمية) أن تتعرف على التناقضات الرقمية
والاجتماعية بشكل أسرع.
o
هذا يُسرّع ظهور حركات
واعية يمكنها أن تطور أدوات نضال تتناسب مع العصر الرقمي.
3. المرونة التطبيقية
o
ما تراه هو محاولة
لتطبيق الماركسية المرنة:
§
لا نسخ كلاسيكية.
§
تعتمد على الحداثة
وتكنولوجيا المعلومات.
§
تهدف إلى أن تصبح قابلة
للاختبار على أرض الواقع، خصوصًا في الاقتصاد الرقمي.
4. مرحلة التحضير للتطبيق
o
هذه الحملات تعمل على
تهيئة الأرضية الفكرية: تعليم الناس، تشكيل وعيهم النقدي، التشجيع على
التنظيم، فتح نقاشات حول العدالة الرقمية وملكية البيانات.
o
بالتالي، هي بمثابة
التمهيد لتطبيق فعلي يمكن أن يظهر تدريجيًا حسب تراكم التناقضات.
إذن، ما نراه هو امتداد
طبيعي للتطور التاريخي: تراكم التناقضات + وعي جماعي + أدوات جديدة → مشروع تطبيقي ماركسي مرن للقرن الرقمي.
هل نعتقد أن هذه الحملات ستكون فعالة عالميًا أم
أنها ستبقى محصورة في نطاق الشباب المتعلم والمهتم بالسياسة الرقمية؟ أم أن
تأثيرها سينتقل تدريجيًا إلى شرائح أوسع مع تراكم التجارب؟ فالجواب اكيد سيتبناها الشباب،
لانهم المحرك الطبيعي لأي مشروع تطبيقي جديد، ولأن لديهم:
1. زمن لتجربة وتطبيق الأفكار، بعكس الكهول الذين عمرهم قصير نسبيًا بالنسبة
للتغيير التاريخي.
2. انفتاح على التكنولوجيا الرقمية، وهي وسيلة أساسية لنشر الماركسية المرنة
والتواصل حولها.
3. وعي نقدي متزايد نتيجة تراكم التناقضات الرقمية والاجتماعية، ما يجعلهم
أكثر استعدادًا لتبنّي حلول جديدة.
🔹 وكما ذكرنا، التأثير
سيكون تدريجيًا:
- البداية ستكون بين الشباب المتعلم
والمهتم بالسياسة الرقمية.
- مع تراكم التجارب والوعي، سينتقل التأثير
إلى شرائح أوسع من المجتمع، بما فيها الطبقات العاملة الرقمية وغير الرقمية.
- هذا يتوافق مع الحتمية التاريخية النسبية: كل مرحلة تحتاج
وقتًا لتراكم القوى المادية والفكرية قبل التحول النوعي.
إذن، المستقبل سيكون
تراكميًا ومتدرجًا، يقوده الشباب ويهيّئ الأرضية لتطبيق مشروع ماركسي مرن متوافق
مع عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
هل نرى أن هذه العملية
التراكمية ستحتاج أيضًا إلى دعم فكري من الأكاديميين والمثقفين لتوجيه الشباب، أم
أن السوشيال ميديا وحدها كافية لنشر الوعي؟ نعم سيكون مثمرا اذا ما وضع لها برامج
وندوات حوارية نقاشية، لما يتمتعون بزمن لتجربة وتطبيق الأفكار، بعكس الكهول الذين
عمرهم قصير نسبيًا بالنسبة للتغيير التاريخي. وانفتاحهم على
التكنولوجيا الرقمية، وهي وسيلة أساسية لنشر الماركسية المرنة والتواصل حولها.
عندها يتحقق وعي نقدي متزايد نتيجة تراكم التناقضات الرقمية والاجتماعية، ما
يجعلهم أكثر استعدادًا لتبنّي حلول جديدة.
إذن، المستقبل سيكون
تراكميًا ومتدرجًا، يقوده الشباب ويهيّئ الأرضية لتطبيق مشروع ماركسي مرن متوافق
مع عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
تعليقات
إرسال تعليق