لعبة الازدواجية: السياسة العلنية كأداة ضغط والخفيّة كأداة تنفيذ في عهد ترامب

 

لعبة الازدواجية: السياسة العلنية كأداة ضغط والخفيّة كأداة تنفيذ في عهد ترامب

عدنان الطائي

لقد أظهرت فترة رئاسة دونالد ترامب (2017–2021) أسلوبًا سياسيًا ودبلوماسيًا مختلفًا جذريًا عن أسلافه. فقد اتسمت سياسته بالازدواجية: الإعلان العلني كان وسيلة للضغط والتأثير النفسي، بينما القرارات الفعلية غالبًا ما كانت تُتخذ خلف الكواليس. يمكن تلخيص هذا الأسلوب في النقاط التالية:

.1 أسلوب ترامب في الإعلان والقرار

  • كان ترامب يفضل المفاجأة وعدم التوقع، باعتباره أداة تفاوضية لخلق ضغط نفسي على الخصوم والحلفاء على حد سواء.
  • رفض غالبًا البروتوكول الدبلوماسي المعتاد الذي يقوم على التشاور الهادئ والإعلانات المتدرجة، مفضلاً التصريحات الصادمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا تويتر.
  • كان التصريح العلني بالنسبة له أداة ابتزاز ذكية: إذا وعد بمساعدة دولة، غالبًا ما كان الهدف هو خلق ضغط لتبادل المزايا أو الصفقة، بينما قد يكون التصعيد اللفظي مجرد مساومة وليس التزامًا فوريًا بالتنفيذ.

.2 أمثلة على إيران

  • أعلن ترامب مرارًا عن استعداده للتفاوض مع إيران "بدون شروط مسبقة"، لكنه في الوقت نفسه فرض أشد العقوبات الاقتصادية عليها وانسحب من الاتفاق النووي.
  • هنا يظهر التناقض المقصود: خطاب مرن ظاهرًا، وعقوبات عملية وضاغطة في الواقع، لتربك الخصم وتجعل من الصعب التمييز بين الجد والمساومة. 

.3 أمثلة على العراق

  • كانت سياسته تجاه العراق متقلبة: من الإعلان عن سحب القوات إلى فرض عقوبات على بعض القوى السياسية القريبة من إيران.
  • لم تكن هناك استراتيجية ثابتة، بل براغماتية محضة: العراق كان ورقة في الصراع مع إيران أكثر من كونه دولة مستقلة ذات سيادة.

.4 طبيعة "السياسة الملتوية"

  • يمكن تشبيه أسلوبه بأسلوب رجل الأعمال:
    • رفع السعر أولًا: تهديد، عقوبات، ضغوط.
    • ترك هامش للمساومة: تفاوض، صفقات سرية تحت الطاولة.
  • لم يكن ترامب ملتزمًا بالقيم أو الالتزامات الطويلة، بل بقياس الربح والخسارة الفورية.
  • بالتالي، إذا أعلن علنًا عن وعد، غالبًا ما كان الهدف هو الضغط والابتزاز؛ وإذا صمت، ربما كان يتصرف عمليًا خلف الكواليس.

.5 الهدف من هذه السياسة

  • الحفاظ على الصدارة الأميركية كقطب عالمي واحد عبر إرباك الخصوم وجعلهم في حالة ترقب دائم.
  • فرض صورة أميركا القطب الواحد الذي لا يمكن التنبؤ بسلوكه، وبالتالي دفع الآخرين للرضوخ بدل المخاطرة.
  • تعزيز فكرة أن الإعلان العلني أداة ضغط أكثر منه التزام فعلي، بينما التنفيذ الحقيقي يتم في الغرف المغلقة. 

.6 مثال على الحلفاء

  • حتى مع الحلفاء، مثل حلف الناتو وكوريا الجنوبية، كان ترامب يستخدم أسلوب "الهجوم العلني" لدفعهم إلى زيادة مساهماتهم المالية في الدفاع المشترك.
  • بالمقابل، كان الالتزام الفعلي بالأمن والدفاع قائمًا بشكل خفي، مما يعكس ازدواجية واضحة بين الضغط العلني والتنفيذ الخفي.

الخلاصة

أسلوب ترامب السياسي والدبلوماسي كان يعتمد على تناقض مقصود بين الإعلان العلني والقرار الفعلي، ليخلق ضغطًا نفسيًا واستراتيجيًا. الإعلان العلني كان أداة للابتزاز والتفاوض، بينما القرارات الحقيقية غالبًا ما تُتخذ خلف الكواليس. وهدف هذا الأسلوب كان تثبيت الهيمنة الأميركية بأساليب صادمة وغير متوقعة، بما يعكس صورة أميركا القطب الواحد الذي يفرض شروطه على الجميع.

      وان القول الشائع في السوشيال ميديا فيه جزء من الحقيقة: ترامب بالفعل كان يستخدم الإعلان العلني كوسيلة ضغط أكثر منه كتعهد فعلي، بينما القرارات الحقيقية كانت غالبًا خلف الكواليس. هو لم يكن سياسيًا تقليديًا، بل "مفاوض شرس" يستعمل التناقض كسلاح.
أما غايته، فهي تثبيت الهيمنة الأميركية بوسائل صادمة وغير متوقعة، بما يتناسب مع صورة "أميركا القطب الواحد" الذي يفرض شروطه على الجميع.

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية