رجل تتعدد فيه الحيوات اسمه Hafid EL Maachi الباحث عن المعنى بين البحر والكتب

 

رجل تتعدد فيه الحيوات اسمه Hafid EL Maachi

الباحث عن المعنى بين البحر والكتب

إهداء

إلى ذاك الذي حمل البحر في عينيه، والكتب في قلبه، وإلى رجلٍ لم يرضَ أن يكون ظلًّا لمهنة، بل نورًا يتشظّى في مسالك التجربة والمعرفة… الى ذلك الرجل الذي لم اطلع على سيرته طيلة صداقتي الا مؤخرا.. أهدي هذه الكلمات كتحية إلى رحلته التي ما زالت تمضي بحثًا عن معنى لا يعرف التعب.

عدنان الطائي

مقدمة

في زمنٍ يحاول فيه الإنسان أن يختصر نفسه في مهنة أو لقب، يطلّ علينا بعض الأشخاص كأنهم استثناء جميل، رافضون أن يُختصروا في سطر واحد أو بطاقة تعريف. إنهم أرواحٌ متعدّدة الحيوات، لا تستقر على ضفة واحدة، بل تمضي من علمٍ إلى آخر، ومن تجربة إلى أخرى، لتصوغ في النهاية ذاتًا أوسع من حدود المهن والألقاب.

في الثانية والخمسين من عمره، يقف هذا الرجل كأنه ضيفٌ على الحياة مرّ من أبواب كثيرة ولم يرضَ أن يُحبس في قاعة واحدة. عاش طفولته كغيره، لكنه حين كبر لم يختر طريقًا واحدًا يختصره في مهنة أو لقب، بل مضى يجرّب كما يجرّب البحر أمواجه. أربع سنوات في الطب البيطري ليتلمّس أسرار الكائنات الصامتة، وأربع في الإلكترونيات ليستمع إلى لغة الضوء والدوائر، وسنتين في الدراسات البحرية ليقيس عُمق الماء وعُمق ذاته معًا. هكذا بدا وكأن كل علم دخله كان محطة، لا غاية، وكل تجربة نافذة، لا جدارًا.

هو متزوج، أب لطفلين، لكن الأبوة عنده لا تنحصر في البيت وحده، بل تمتد كإحساس أبوي تجاه الأفكار ذاتها، يرعاها ويغذّيها ويصبر على نموّها. ولأن لغاته اثنتان – العربية والفرنسية – فقد بات كمن يسكن بين ضفتين: من الضفة الأولى ينهل من البلاغة والتاريخ والروح، ومن الضفة الثانية يستعير صرامة الفكر وحدّة المنطق.

في حواراته يظهر وجهه الأعمق: رجلٌ يقلقه المعنى. لا يرضى أن يمرّ الزمن كقطارٍ عابر، بل يسأل: "ماذا بعد كل هذه التجارب؟ ما الذي يوحّد بين البحر والدوائر والبيطرة؟ ما الذي يجعلني أنا؟" لذلك وجد في الفلسفة والأدب والسياسة موطنًا، لا بوصفها معارف جامدة، بل كخيط سحري يجمع تفاصيل العمر في نسيج واحد.

هو رجل لا يفاخر بإنجازاته، لكنه يترك فيك أثرًا أعمق من أي سيرة تقليدية: أثر الإنسان الذي لم يتوقف عن السؤال، ولم يخضع لرتابة العيش، ولم يرضَ إلا أن يكون حرًّا في فضاء التجربة والفكر. كأنه يريد أن يقول: "أنا لست مهندسًا ولا طبيبًا ولا بحّارًا فقط، بل أنا كل هذا وأكثر… أنا الباحث الدائم عن المعنى من عبثية البير كامو واسطورة سيزيف.

خاتمة

قد يظن البعض أن قيمة الإنسان فيما يملك أو في المهنة التي يزاولها، لكن هذا الرجل يذكّرنا بأن القيمة الحقيقية تكمن في رحلة البحث، في شجاعة التجريب، وفي القدرة على جعل كل خبرة حجرًا صغيرًا في بناء الذات. إن الحياة لا تُختصر في وظيفة، بل تتسع بقدر ما نتسع نحن لها. وهذا الرجل، ببساطته وعمقه، يعلّمنا أن الإنسان أكبر من سيرة ذاتية، وأن أجمل ما فيه هو عطشه الدائم للمعنى.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية