ما هو الإيمان؟
بقلم عدنان الطائي
مقدمة: الإيمان بين الفطرة والتقليد
تتعدد الآراء حول معنى
الإيمان، ويتباين فهم الناس له بين من يراه شعورًا داخليًا نابضًا بالفطرة
واليقين، ومن يربطه بمجموعة من المعتقدات والتشريعات المرتبطة بدين معين. إلا أن
السؤال الجوهري يبقى قائمًا: ما هو الإيمان حقًا؟ هل
هو مجرد تصديق لما جاءت به الأديان؟ أم هو حالة روحية أعمق من كل العقائد
والتفسيرات البشرية كالإيمان بوجود إله واحد؟
أولاً: الإيمان كفطرة إنسانية
منذ فجر الإنسانية، كان
الإنسان مدفوعًا نحو الإيمان بوجود قوة عليا عاقلة ومدركة تنظم الكون وتحكم
قوانينه. هذا الإيمان ليس نتيجة تعليم أو نص مقدس، بل هو إحساس داخلي ينشأ من
مواجهة الإنسان لأسئلة الوجود، الموت، والمعنى. وهذا ما أشار
إليه فلاسفة كأفلاطون، ثم لاحقًا الفيلسوف الإسلامي ابن طفيل في "حي بن
يقظان"، حين قدّم صورة للإنسان الذي يصل إلى الإيمان دون معلم أو كتاب، فقط
بعقله وتأمله في الكون.
ثانيًا: الإيمان في الأديان — تعدد وتباين
رغم أن الأديان تدّعي
الانتماء إلى "الحق الإلهي"، إلا أنها تختلف جذريًا في تصويرها لهذا
الإله، وفي فهمها لمفهوم الإيمان نفسه:
- فالإيمان في
المسيحية يُركّز على الخلاص بوساطة الإيمان بالمسيح.
- وفي الإسلام
يُعتبر الإيمان منظومة متكاملة من الاعتقاد والعمل.
- أما في الأديان الشرقية كالبوذية،
فالإيمان لا يتعلق بإله خالق، بل بسلوك روحي وسعي نحو التنوّر.
بل الأبعد من ذلك، أن
داخل الدين الواحد توجد تفسيرات متضاربة للإيمان، كما هو الحال في التشيع والتسنن،
أو الكاثوليكية والبروتستانتية، مما يدل على أن البُعد البشري في التأويل لا يمكن
تجاهله.
ثالثًا: هل الأديان من صنع الله أم من فهم
الإنسان؟
إذا كان "كلام
الله واحدًا"، فلماذا يختلف الناس حوله؟ هنا تظهر رؤية فلسفية تنأى عن
التقديس الأعمى، وتدعو إلى التمييز بين الوحي في ذاته، والفهم البشري لهذا الوحي. فالنص المقدس قد يحمل نوره في ذاته، لكن تفسيره وتأويله نتاجٌ للعقل
البشري، الذي قد يخطئ ويصيب، ويتأثر بالثقافة واللغة والسلطة. وعليه، يصبح من الضروري أن نفهم أن ما نراه في الأديان ليس بالضرورة
"الدين الإلهي" في صفائه، بل محاولات بشرية متعاقبة للاقتراب من هذا
الصفاء.
رابعًا: الإيمان الحر — موقف فلسفي بديل
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن الإيمان الحق
ليس انتماءً أعمى لدين معين، بل هو:
- إقرار داخلي بوجود
إله واحد، دون الحاجة إلى وسطاء أو طقوس جامدة.
- احترام لتعدد
التجارب الدينية، دون الوقوع في التعصب.
- موقف روحي حرّ ينفتح على المعنى، ويبحث
عن القيم العليا، كالمحبة، والعدل، والحق، بمعزل عن الانتماء الديني الضيق.
وهذا النمط من الإيمان
يتماشى مع ما دعا إليه المفكرون الإنسانيون، بل وحتى بعض المتصوفة الذين تجاوزوا
الحدود الشكلية للأديان نحو جوهر التوحيد والحضور الإلهي.
خاتمة: الإيمان تجربة تتجاوز الكلمات
الإيمان ليس عقيدة
تُلقّن، ولا طقسًا يُمارس، بل هو حالة وجودية يعيشها الإنسان في صمته وتساؤله
ودهشته أمام الوجود. قد يُولد الإيمان من صلاة، أو من تأمل في شجرة،
أو من دمعة في عيون فقير.
والإله، في نظر المؤمن الحق، لا يحتاج إلى ديانة ليدل عليه، بل يكفي أن
يكون موجودًا في القلب والعقل معًا وهي المسؤولية التي حملها الانسان وهو جهولا من
ان الايمان هو إقرار الانسان بوجود الله واحد أحد وهو واجب الوجود.
تعليقات
إرسال تعليق