فلسطين في زمن العولمة: قراءة ماركسية في جدلية المقاومة والإمبريالية

 

فلسطين في زمن العولمة: قراءة ماركسية في جدلية المقاومة والإمبريالية

بقلم عدنان الطائي

   تبدو فلسطين اليوم، أكثر من أي وقت مضى، قلب الصراع العالمي بين منطق الإمبريالية والهيمنة، ومنطق التحرر والعدالة. وإذا كانت الماركسية قد وُلدت لفهم آليات الاستغلال الطبقي في القرن التاسع عشر، فإنها تظل قادرة، كمنهج نقدي، على إضاءة أبعاد الصراع الفلسطيني في سياق العولمة النيوليبرالية المعاصرة.

فلسطين كجبهة ضد الإمبريالية

من منظور ماركسي، لا يمكن النظر إلى الاحتلال الصهيوني باعتباره مجرد نزاع إقليمي، بل كجزء من مشروع إمبريالي–رأسمالي عالمي. إسرائيل لم تُبنَ بمعزل عن المنظومة الغربية، بل وُلدت كأداة استعمارية متقدمة، وحظيت بالدعم العسكري والاقتصادي والسياسي باعتبارها "الحارس الأمامي" للمصالح الإمبريالية في المنطقة. وبذلك تصبح فلسطين ليست فقط قضية وطنية أو دينية، بل جبهة متقدمة في صراع عالمي ضد الرأسمالية الكولونيالية، على غرار ما كانت الجزائر أو فيتنام في القرن العشرين.

المقاومة في سياق العولمة

العولمة غيّرت طبيعة النضال. لم تعد المقاومة مقصورة على السلاح أو المواجهة العسكرية، بل امتدت إلى مجالات جديدة:

  • المقاطعة الاقتصادية (BDS) كسلاح ضد الشركات المتواطئة.
  • حرب السرديات الرقمية في الإعلام ووسائل التواصل.
  • التحالف مع حركات العدالة الاجتماعية والمناخية وحقوق الإنسان عالميًا.

لكن في الوقت نفسه، جعلت العولمة إسرائيل جزءًا لا يتجزأ من النظام الاقتصادي العالمي، الأمر الذي منحها حصانة إضافية، ورسّخ ارتباط وجودها بالمصالح الرأسمالية العابرة للحدود.

مأزق اليسار الفلسطيني

الحركات الماركسية الفلسطينية، وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تبنّت منذ البداية رؤية تحررية تربط النضال الوطني بالبعد الطبقي–الأممي. غير أنها واجهت تحديات عميقة:

  • صعود الخطاب الديني على حساب الخطاب اليساري.
  • انحسار الدعم الأممي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
  • تحولات إقليمية أدت إلى موجة تطبيع وتراجع الحاضنة العربية الرسمية.

هذا المأزق جعل اليسار الفلسطيني أقل تأثيرًا شعبيًا، على الرغم من وجاهة تحليلاته الفكرية.

النتائج المحتملة

إيجابيات المنظور الماركسي

  • تأطير الصراع في فلسطين كجزء من النضال العالمي ضد الإمبريالية.
  • بناء جسور تضامن أممي مع الحركات العمالية والطلابية والبيئية حول العالم.
  • منع اختزال القضية في بعدها الديني أو القومي فقط، عبر إبراز بعدها الإنساني–الطبقي.

التحديات والسلبيات

  • تراجع الأيديولوجيا اليسارية شعبيًا داخل فلسطين.
  • هشاشة التضامن الأممي في مواجهة مصالح الغرب الاقتصادية.
  • خطر بقاء الماركسية مجرد أداة تحليلية دون ترجمة عملية داخل بنية المقاومة.

خاتمة

فلسطين في زمن العولمة تمثل امتحانًا للماركسية المعاصرة: هل تستطيع النظرية أن تتجاوز الجمود، وتجدّد نفسها لتستوعب نضالات الشعوب ضد الاستعمار، والتمييز العنصري، والنيوليبرالية المتوحشة؟ الإجابة مرهونة بقدرة اليسار الفلسطيني والعالمي على بناء خطاب جديد يجمع بين التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية، بين الكفاح على الأرض والتضامن الأممي، بين السرديات المحلية ورؤية إنسانية أشمل. هكذا فقط تصبح فلسطين ليست جرحًا عربيًا فحسب، بل رمزًا عالميًا لمقاومة الإمبريالية في عصر العولمة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية