عنوان الرواية: حين سرقوا بغداد مرتين عدنان الطائي

 

عنوان الرواية: حين سرقوا بغداد مرتين

عدنان الطائي

في مساءٍ خريفي حزين، اختفت بغداد بين دخان الدبابات وأنين الجدران. كان التاريخ يختنق في الأزقة، فيما تماثيل الرشيد والمنصور تغطيها طبقات الغبار والخوف. عام 2003 لم يكن عاماً عادياً؛ بل كان اللحظة التي توقفت فيها عقارب الزمن، وابتلعت الأرض أسرارها. في اليوم التالي، لم تكن السرقة مجرد نهب المتحف الوطني أو تفكيك المكتبات، بل كانت سرقة هوية بأكملها. قال أحد العجائز وهو ينظر إلى السماء الرمادية: "لقد سرقوا بغداد من قلوبنا، لا من رفوف المتاحف فقط".

    عشرون عاماً مرّت، وظلّت الأسئلة تُهمَس في المقاهي والبيوت القديمة: من سرق بغداد؟ وكيف تبخّرت آلاف المخطوطات والآثار؟ ولماذا أُغلقت ملفات التحقيق مبكرًا؟ ظهر رجلٌ غامض يُدعى هاشم. كان أستاذًا سابقًا للتاريخ اختفى عن الأنظار بعد الاحتلال. عاد الآن يحمل حقيبة جلدية قديمة، ويدّعي أنه يمتلك دليلًا على سرقة ثانية، أخطر من الأولى.

   كشف هاشم لوثائق ومقاطع فيديو محفوظة داخل وحدات تخزين صغيرة، تُظهر اجتماعات سرية جرت عام 2014 بين أطراف أجنبية ومحلية. لم تكن هذه السرقة من المتاحف، بل من العقول. تم تهريب علماء، وتفكيك منظومات بحثية، وتسريب أرشيف الدولة إلى أجهزة استخبارات خارجية. قال هاشم: "لقد سرقوا بغداد مرة ثانية، لكن هذه المرة من داخلنا، لا من فوق أرضنا".

  بدأت رحلة الراوية، التي تدعى سُهى، وهي صحفية شابة، تبحث عن الحقيقة خلف أقوال هاشم. تسللت إلى أرشيف مهجور، قابلت جنودًا سابقين وساسة متقاعدين، ووجدت أن كل الخيوط تقود إلى عملية تُدعى "السِرج الذهبي"، وهي خطة محكمة لمسح ذاكرة بغداد وتفريغها من نخبها الفكرية.

    حين عرضت سُهى ما جمعته، بدأ كل شيء يتساقط. قُتل هاشم بظروف غامضة. اختفت وثائقها. وتحوّلت إلى لاجئة في وطنها، تُطارَد لا لأنها صحفية، بل لأنها تجرأت أن تكتب الحقيقة. لكن بغداد لا تنام. في جدار إحدى المقاهي كتبت بخط مرتجف: "لقد سرقوا بغداد مرتين، لكننا نحفر في جدرانها لتلد من جديد".

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية