من الحظيرة إلى الوطن: هل ما زالت الشعوب تُفكّر؟


 

 من الحظيرة إلى الوطن: هل ما زالت الشعوب تُفكّر؟

بقلم عدنان الطائي

       في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه الحقائق مع الأكاذيب، نجد أنفسنا واقفين في حالة ذهول وصمت يشبه الصدمة. نشاهد ما يحدث في أوطاننا من كوارث سياسية، اجتماعية، اقتصادية، بل وإنسانية، فنكاد لا نصدق أنه واقع حقيقي، بل نقف حائرين نتساءل: هل كنا نكذب على أنفسنا طوال هذه السنين؟ أم كانوا يكذبون علينا ونحن نُصفق؟ هل نحن شعوب فعلاً؟ أم أننا مجرد قطعان متناثرة، كل قطيع منها يتبع "مرياعه" الذي يهش عليه بالأوهام، وتحيط به كلاب الحراسة وفزاعات التخويف؟ كل قطيع يفتخر بحظيرته، ويُناطح قطيعًا آخر في ذات الوطن... فهل نحن في وطن؟ أم أننا في حظائر تتناطح داخل خارطة اسمها الدولة؟! وهل يمكن أن نحلم بوطن واحد، وشعب واحد، وهوية واحدة؟ أم أن "نظام الحظائر" بات قدرًا محكومًا علينا حتى إشعار آخر؟

اذن كيف أصبحنا هكذا؟

  كان أجدادنا يخرجون للثورة وهم بلا سلاح، لكن بقلوب مليئة بالشجاعة، وبعيون تتقد بالكرامة. كانوا يواجهون الطغاة في الساحات، ويتحدّون الجيوش بالمظاهرات، ويُسقطون أنظمة القمع. واليوم، رغم انتشار مفاهيم الديمقراطية، والتكنولوجيا، وحرية التعبير الافتراضية… نجد الخوف قد استوطن الأرواح، والجبن قد صار ثقافة جماهيرية. فما الذي تغيّر؟ ف الأسباب كثيرة، وأخطرها لا تحصى

  • غياب الوعي الجمعي وتفكك القيم المشتركة التي كانت توحّد الناس حول هدف واحد.
  • تخدير العقل عبر الإعلام، والخطاب الديني المؤدلج، والتعليم الذي يُخرب الوعي بدل بنائه.
  • الخوف من الفوضى، الذي جعل الطغيان يبدو "أفضل الشرور".
  • الانهيار الأخلاقي للقيادات البديلة، فصار الناس لا يثقون بثائر ولا يعولون على مصلح.

 اذن كيف نتحول من القطيع إلى المواطن الحر.. حين يُختزل الإنسان إلى تابعٍ، ويُمنع من السؤال، ويُلقَّن الصمت، يتحول إلى جزء من قطيع. لكن، الإنسان الحر لا يعيش في الحظيرة، بل في الوطن. وهذا الوطن لا يُمنح، بل يُنتزع انتزاعًا بالوعي، والإرادة، والمطالبة المستمرة بالكرامة. فيكون الامل مشروطا بـ:

  • ثورة داخلية في الوعي أولاً، لا تبدأ في الشارع، بل في العقل.
  • استعادة الإنسان لقيمته كمواطن، لا تابع.
  • خلق مشروع وطني حقيقي جامع، لا طائفي، ولا انتهازي، ولا سلطوي.
  • مواصلة السعي دون انتظار نتائج سريعة، فالأمل الحقيقي لا يموت، وإن تأخر.

 خاتمة

ما نعيشه اليوم قد يكون أكثر من مجرد انهيار سياسي أو خداع إعلامي… إنه اختبارٌ وجوديّ لوعي الشعوب. فإما أن ننتقل من الحظيرة إلى الوطن، أو نبقى نُجترّ أوهامنا داخل سياج رسمه لنا جلادونا، بينما نتصارع على العلف.

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية