الارتزاق... حين يُباع الوطن على قارعة المصالح
الارتزاق... حين يُباع الوطن على قارعة المصالح
بقلم عدنان الطائي
(من يقاتل من أجل المال، سيهرب حين يُهدد بالخطر. أما من يقاتل من أجل أرضه، فالأرض تُقاتل معه.)
تشي جيفارا
(المرتزقة لا يُعوَّل عليهم في ساعة الشدة، لأن قلوبهم ليست معركتهم. (
سون تزو، فن الحربفي العراق، وطن الحضارات والدماء الطاهرة التي سالت دفاعًا عن الأرض والعرض، تجثم اليوم ظاهرة خبيثة فوق صدر الوطن، وهي الارتزاق. ارتفعت نسبته إلى حدٍ يفوق التصور، حتى باتت الوطنية عملة نادرة، والمصالح الشخصية تُباع وتُشترى في سوق السياسة، والإعلام، والدين، وحتى في مؤسسات التعليم والخدمات.
الارتزاق ليس فقط أن تحمل بندقية من أجل من يدفع أكثر، بل هو أن تبيع قناعتك، صوتك، صمتك، وضميرك. هو أن تُبرر الباطل مقابل وظيفة، أو تسكت عن الظلم طمعًا في مكافأة، أو تتغاضى عن سرقة وطنك لأنك نلت نصيبًا من فتاتها.
كل من يُسوّق لمشروع أجنبي، أو يغض النظر عن تدخل خارجي، أو يُصفّق لطائفة ضد أخرى، أو يسوّغ القتل والتجويع والتجهيل، ثم يقول "أنا فقط أبحث عن مصلحتي"، هو في الحقيقة مرتزق بثوب مدني. هؤلاء لا يبنون وطنًا، بل يهدمونه حجراً حجراً، ويغرسون الخوف واليأس في قلب شعبٍ يستحق الحياة.
المرعب في الأمر أن الارتزاق لم يعد يُمارَس بخجل، بل أصبح ثقافة سائدة، ومصدر "فخر اجتماعي" عند البعض. لقد تم تزيين الخيانة باسم "الحكمة"، والانحراف باسم "الواقعية"، والسكوت باسم "الحياد". لكن، هل يمكن لوطنٍ أن ينهض إذا أصبح أغلب من فيه مرتزقين؟
الحرب التي تُبنى على أجندات المرتزقة لا تدوم، لأنها لا تُولد من رحم الأرض، ولا تُروى بعرق الشرفاء، بل تُدار من الخارج وتُغذّى بالأموال والفتن. أما حين تنهض الشعوب لتدافع عن كرامتها، فإن كل شبر من ترابها يتحول إلى جندي صامت، يرفض الاستسلام، ويُحيي في القلوب جذوة الثورة.
يا أبناء العراق، احذروا هذا المرض، فهو لا يُشخَّص بالدم فقط، بل بالضمير. إن أخطر ما يُصيب الوطن ليس رصاصة، بل عقل يبرر خيانته، وقلب يرضى بالذل. الوطن لا يُحرَّر بأموال تُرسل من خلف البحار، بل بإرادة شعب يرفض أن يكون سلعة في مزاد المصالح الدولية والطائفية. عودوا إلى العراق الحقيقي، الذي لا يُقاس بالدينار، بل بالكرامة. قاتلوا لا من أجل قائد أو حزب أو جهة، بل من أجل الأرض التي أنجبتكم، من أجل النهر الذي يسقيكم، من أجل المستقبل الذي يُنتزع من بين أيديكم كل يوم.
فلا كرامة لوطن يُباع،
ولا نجاة لشعبٍ ارتضى أن يكون جندياً في جيش الغزاة.
تعليقات
إرسال تعليق