التحكم في مسار الرياح: بين الواقع العلمي ونظريات المؤامرة والعدالة المناخية

 

التحكم في مسار الرياح: بين الواقع العلمي ونظريات المؤامرة والعدالة المناخية

تحليل علمي واجتماعي للادعاءات حول تغيير الطقس ومناقشة العدالة المناخية في الفكر البيئي والماركسي

بقلم عدنان الطائي

مقدمة

في العقود الأخيرة، ازدادت الشائعات والتكهنات حول قدرة بعض الدول على التحكم في عناصر الطقس والمناخ، وتوجيهها لإحداث جفاف أو كوارث بيئية في دول أخرى، ضمن ما يُعرف بـ"نظريات المؤامرة المناخية". وتأتي هذه الادعاءات غالباً في سياقات سياسية متوترة، مثل الحديث عن قيام إسرائيل بتحويل اتجاه الرياح لحجبها عن إيران والتسبب في جفافها، بحسب ما تروّجه بعض وسائل الإعلام. في هذا لسياق، تبرز أيضاً تساؤلات حول العدالة المناخية وسبل معالجتها من منظور ماركسي وبيئي. في هذا النص، نستعرض أولاً الحقائق العلمية حول إمكانية التحكم في الرياح، ثم نناقش مفهوم العدالة المناخية وتحليلها عبر الرؤية الماركسية.

الواقع العلمي بشأن التحكم في الرياح والمناخ

هل يوجد بالفعل تكنولوجيا أو إمكانات علمية تسمح لدولة ما بتغيير مسار الرياح على نطاق واسع؟

   حتى يومنا هذا، لا توجد أي تقنية أو قدرة علمية مثبتة تسمح لأي دولة، مهما بلغت من تقدم، بتعديل أو تغيير مسار الرياح العالمية أو الإقليمية على نطاق واسع. فالرياح ظاهرة فيزيائية معقدة للغاية تعتمد على توازنات حرارية ضخمة على مستوى الكوكب، وتتحكم فيها فروقات الضغط ودرجة الحرارة، ودوران الأرض، وحركة الشمس، بالإضافة إلى طبوغرافيا الأراضي والمحيطات. 

محاولات تعديل الطقس: بين الممكن والمستحيل

هناك بالفعل تجارب لتعديل بعض عناصر الطقس، أشهرها تجربة "الاستمطار الصناعي" التي تهدف إلى زيادة هطول الأمطار عبر نثر مواد كيميائية في السحب مثل يوديد الفضة. إلا أن هذه العمليات محدودة التأثير، وتنجح فقط في ظروف مناخية معينة، ولا يمكنها بأي حال التحكم في الرياح أو نقل الغيوم لمسافات بعيدة أو تغيير أنماط الطقس الإقليمية الكبيرة. كما أن تأثيرها يكون محلياً وليس له انعكاسات واسعة على الدول المجاورة.

المناخ والرياح في الشرق الأوسط

تخضع منطقة الشرق الأوسط للتأثيرات المناخية الكبرى مثل المنخفضات الجوية، الكتل الهوائية، والتيارات البحرية. الرياح الموسمية، والرياح الغربية التي تجلب الأمطار، كلها نتاج أنظمة جوية معقدة لا يمكن للبشر أو الدول السيطرة عليها أو توجيهها. الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أن أي تعديل طفيف في نظام الرياح يتطلب تغييرات هائلة في الطاقة تتجاوز قدرات أي تقنية متاحة اليوم.

نظريات المؤامرة: ما بين العلم والسياسة

غالباً ما تنتشر نظريات المؤامرة المناخية في سياق وجود أزمات بيئية أو شح في الموارد المائية. في بعض الأحيان، يُروَّج لفكرة أن دولاً معينة تستخدم "سلاح المناخ" لإضعاف خصومها أو لإحداث أضرار اقتصادية وبيئية. إلا أنه لم يُسجل علمياً أو تقنياً أي دليل يثبت صحة هذه الادعاءات، بل إن معظم الخبراء يعتبرونها جزءاً من الحرب النفسية والإعلامية، لا تستند إلى أسس علمية واقعية.

مفهوم العدالة المناخية

العدالة المناخية مفهوم يهدف إلى تحقيق توزيع عادل ومتساوٍ لأعباء وفوائد التغير المناخي والحلول المطروحة له. فهي تضع نصب عينيها الفئات الضعيفة والمهمشة التي غالباً ما تتضرر أكثر من غيرها نتيجة التغيرات المناخية، رغم أنها لم تكن السبب الأساسي في حدوثها. يتضمن هذا المفهوم مطالب بتعويض الدول النامية عن الأضرار، وإشراك المجتمعات المحلية في قرارات وسياسات المناخ، وضمان حقوق الأجيال القادمة.

العدالة المناخية على المستوى الدولي

تسعى الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني إلى الدفع نحو اتفاقيات تضمن المسؤولية المشتركة، مع مراعاة الفوارق في المسؤولية التاريخية بين دول الشمال الصناعي ودول الجنوب النامي. ويُعد اتفاق باريس للمناخ سنة 2015 نقطة فارقة في الاعتراف بمبدأ "المسؤوليات المشتركة، ولكن المتفاوتة".

العدالة المناخية من منظور ماركسي وبيئي

الرؤية الماركسية لقضية البيئة

يرى المنهج الماركسي أن المشكلات البيئية، ومن بينها التغير المناخي، هي نتيجة حتمية للنظام الرأسمالي الذي يضع الربح فوق كل اعتبار، ويشجع على الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية دون اعتبار للعواقب الاجتماعية أو البيئية. من هذا المنطلق، ترتبط العدالة المناخية في الرؤية الماركسية بالمطالبة بتغيير جذري في أنماط الإنتاج والاستهلاك، وتحميل المسؤولية الأكبر للشركات الكبرى والدول الصناعية.

تحليل ماركسي لمفهوم العدالة المناخية

وفقاً للماركسية، فإن العدالة المناخية الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال إعادة توزيع السلطة والثروة، وإخضاع السياسات البيئية لمصلحة المجتمع ككل، وليس لمصلحة رأس المال. يُنظر إلى البيئة على أنها ملكية عامة يجب أن تدار بشكل جماعي وديمقراطي، مع ضمان حقوق العمال والفلاحين والشعوب الأصلية. ويركز المنهج الماركسي أيضاً على محاربة النزعة الاستعمارية الجديدة التي تظهر في فرض سياسات بيئية تضر بالدول الفقيرة لصالح الدول الغنية. 

الحركات البيئية والعدالة المناخية

تعتبر الحركات البيئية الحديثة مفهوماً شاملاً للعدالة المناخية يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتسعى إلى توحيد مطالب الفئات الضعيفة، مثل المجتمعات المهمشة، النساء، والشباب، ضد سياسات الإقصاء والاستغلال البيئي. كما تدعو هذه الحركات إلى دمج العدالة المناخية في صلب السياسات الحكومية والشركات، وإلى تعزيز التعليم البيئي والمشاركة المجتمعية.

الخلاصة

لا يوجد حتى الآن أي أساس علمي يُثبت قدرة أي دولة أو جهة على تغيير مسار الرياح أو التحكم في الأنظمة الجوية على نطاق إقليمي أو عالمي بشكل يؤدي لإحداث جفاف أو كوارث في دول أخرى. ادعاءات كهذه تندرج تحت نظريات المؤامرة وليست مدعومة بالعلم. أما مفهوم العدالة المناخية، فهو حقل متطور يستند إلى مبادئ الإنصاف الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات والموارد. ويتداخل مع الفكر الماركسي الذي يربط العدالة المناخية بتغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية لصالح الفئات الأكثر ضعفاً. في النهاية، يبقى التحدي الأكبر في مواجهة آثار التغير المناخي هو التعاون الدولي، وتبني سياسات شاملة تحقق العدالة لجميع شعوب الأرض، بعيداً عن الشعارات السياسية والمصالح الضيقة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية