هي لا تعرفني

 

 

هي لا تعرفني
(
مُستلهمة من عبث كامو ووفاء سيزيف)

رجلٌ أبيض الشعر
يهبط من حافلةٍ صغيرة في ضباب الصباح.
يضع يده على صدره،
كأن قلبه يمسك بوزنٍ لا يراه أحد.
ينظر إلى أعلى
هناك جبل،
وعند قمته بابٌ صغير
ينتظر أن يُفتح.

كُلَّ صباح
يحملُ صخرتهُ على كتفِ القلب،
هذا الرجلُ الأبيضُ شعرًا
يمشي نحو جبلٍ
سمّاه: هي.

يدفعُ ثمنَ السيارةِ بأنفاسٍ تشيخ،
والسائقُ يسأله:
"
لماذا تصعدُ الجبلَ كلَّ يوم،
وصخرتُك تهوي؟"

يلتفتُ الرجل،
وفي عينيه بحرٌ
يغسلُ أقدامَ النسيان:
"
لأني أعرفُ أنَّ الجبلَ في الحقيقة
ليسَ صخرةً
إنه… ماذا أنا؟"

يصلُ الباب
الذي يُشعل نارًا ذهبية
في عُري الصباح،
ويدخلُ كخائفٍ
يمسكُ بيدِ الله:

"يا حبيبتي،
ها قد جئتُ كلَّ يوم
لأُذكّر العالم
أنَّ الحبَّ ليسَ ذاكرةً
إنهُ العصا التي تسندُ السماء".

تناديهِ باسمٍ ليسَ اسمَهُ،
فيضحكُ كطفلٍ
وجدَ في الكلامِ وردةً
"
لا بأس
أعرفُ أنَّكِ الأرضُ تحتَ ظلّي،
والسماءُ التي تسكبُ في صدري سكونًا.

ما أضيقَ العالمَ لو أنَّكِ عرفتِني،
وما أرحبَ الكونَ حينَ أعرفُكِ".

كلَّ صباح،
يخرجُ من بيتِه
بقلبٍ لا يشيخ،
وصخرةٍ لا تهوي،
لأنهُ يعلم
أنَّ الحبَّ صلاةٌ
تُقامُ على أنقاضِ الزمن،
وأنَّ الوفاءَ سيفٌ
يقطعُ رأسَ العبث.

عدنان الطائي

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية