نحو ماركسية معاصرة: الاقتصاد الهجين وعدالة بلا استغلال
نحو ماركسية معاصرة: الاقتصاد الهجين وعدالة بلا استغلال
بقلم عدنان الطائي
في زمن العولمة
الرقمية، حيث تتحكم الشركات العابرة للحدود في الأسواق، وتتركز الثروات في أيدي
قلة، بينما تُدفع الأغلبية نحو الهشاشة والبطالة والتهميش، تبدو الماركسية
الكلاسيكية وكأنها حبيسة الماضي. غير أن الحقيقة أبعد من ذلك: فالصراع الطبقي لم
يختفِ، بل تغيّر شكله وامتد إلى ميادين جديدة؛ من المصانع الحديدية إلى مصانع
البيانات، من الفحم إلى الخوارزميات.
الماركسية المعاصرة لا
تعني ترديد شعارات القرن التاسع عشر، بل إعادة صياغة المشروع الثوري بما يواكب روح
العصر. جوهر النظرية ما يزال قائمًا: الدولة ليست محايدة، بل هي انعكاس لموازين
القوى الطبقية، والرأسمالية لا يمكنها أن تعيش إلا على الاستغلال. لكن التحدي اليوم
هو كيف نعيد توجيه هذا التحليل لمواجهة النيوليبرالية المالية، والتغير المناخي،
والرقمنة التي تبتلع العمال في اقتصاد المنصات.
البديل ليس العودة إلى
الأوهام الطوباوية، ولا القبول بالليبرالية المتوحشة، بل بناء اقتصاد هجين يزاوج
بين ديناميكية السوق وإرادة العدالة الاجتماعية. اقتصاد يحفز الابتكار والإنتاج،
لكنه يفرض ضرائب تصاعدية على الثروات الكبرى، ويضمن الصحة والتعليم والسكن كحقوق
غير قابلة للتفاوض. اقتصاد يعترف بقيمة المشاريع التعاونية والتضامنية، ويضع
البيئة في قلب التنمية.
النقابات، التي كانت
يومًا السلاح الأول للطبقة العاملة، يجب أن تتجدد لتصبح نقابات رقمية قادرة على
حماية عمال العصر الجديد: عمال "أوبر" و"أمازون"
و"فيسبوك". لكنها لا بد أن تظل أيضًا مدارس للوعي السياسي، لا مجرد
مكاتب لتسوية الأجور.
أما الديمقراطية التي
نطمح إليها فهي ديمقراطية تشاركية، تتجاوز الصناديق الانتخابية الشكلية، لتمنح
المجالس العمالية والمجتمعية والنقابية دورًا مباشرًا في القرار الاقتصادي
والسياسي. وهكذا تتحول "دكتاتورية البروليتاريا" القديمة إلى سيادة
الأغلبية المنتجة، لا إلى قمع جديد. ولا يمكن لأي مشروع
تقدمي أن يكتمل دون بعده الأممي. فكما أن رأس المال أصبح عابرًا للحدود، يجب أن
يكون التضامن الأممي عابرًا للحدود أيضًا. من فلسطين إلى أمريكا اللاتينية، من
إفريقيا إلى آسيا، المعركة ضد الإمبريالية والهيمنة النيوليبرالية واحدة، وعدوها
مشترك.
إننا اليوم في حاجة إلى
ماركسية مرنة، نقدية، وإنسانية. ماركسية لا تكتفي
بالتحليل، بل تقدم بديلًا عمليًا للعالم: مجتمع بلا استغلال طبقي، بلا تدمير بيئي،
وبلا هيمنة إمبريالية. مجتمع يجعل الإنسان، لا الربح، مركز كل شيء.
تعليقات
إرسال تعليق