أمريكا وإسرائيل في طور الضمور

 

أمريكا وإسرائيل في طور الضمور

 بقلم عدنان الطائي

   منذ نشوء الإمبراطوريات القديمة حتى صعود القوى العظمى الحديثة، يعلّمنا التاريخ أن كل مشروع سياسي أو استعماري مهما بلغ من القوة والسطوة، لا بد أن يدخل مرحلة الضعف والتفكك. فالقانون التاريخي ثابت: ما يُبنى على القوة وحدها أو على ظلم الآخرين، يتهاوى عاجلًا أم آجلًا.

أولًا: إسرائيل… هشاشة مشروع استيطاني

إسرائيل، التي وُلدت على رماد الحرب العالمية الثانية وتغذّت لعقود بالدعم الغربي غير المحدود، تبدو اليوم أمام أزمة وجودية غير مسبوقة. لم تعد مجرد أزمة أمنية أو سياسية عابرة، بل أزمة مشروع بكامله.

  • تراجع صورة الجيش الذي كان يُسوّق على أنه لا يُقهر، بعدما فشل في حسم مواجهات متكررة مع فصائل أقل عددًا وعدة.
  • انقسامات داخلية متفاقمة بين التيارات الدينية والعلمانية، والأشكناز والشرقيين، وبين اليهود والعرب داخل الخط الأخضر.
  • تصاعد الهجرة العكسية، حيث يبحث الكثير من الإسرائيليين عن مستقبل في أوروبا وأمريكا الشمالية بعيدًا عن الصراع المستمر.
  • والأخطر أن الأجيال الجديدة لا تنظر إلى المشروع الصهيوني بوصفه حلمًا مقدسًا، بل عبئًا على أمنها الشخصي واستقرارها.

كل ذلك لا يعني انهيارًا وشيكًا، لكنه يشير بوضوح إلى أن إسرائيل قائمة على ركيزتين أساسيتين: القوة العسكرية والدعم الأمريكي. وأي تصدع في إحداهما، يجعل المشروع كله عرضة للزوال.

ثانيًا: الولايات المتحدة… تراجع الإمبراطورية

الولايات المتحدة، الإمبراطورية التي بلغت ذروتها بعد الحرب الباردة، تواجه اليوم تحديات جوهرية:

  • ديون عامة متصاعدة وأزمات اقتصادية متكررة.
  • انقسام سياسي واجتماعي عميق ينعكس في ضعف الثقة بالمؤسسات.
  • تراجع السيطرة العالمية في مواجهة صعود قوى كبرى كالصين وروسيا، وظهور أقطاب إقليمية متزايدة التأثير.

    ومع ذلك، يختلف وضع أمريكا عن الاتحاد السوفيتي، فهي تملك اقتصادًا أكثر مرونة وقدرة على التكيف، ما يجعل سيناريو الانهيار المفاجئ أقل احتمالًا. الأرجح أن يتجلى التراجع في صورة ضمور تدريجي للهيمنة العالمية لا تفكك داخلي شامل.

ثالثًا: الحتمية التاريخية

   القاسم المشترك بين إسرائيل وأمريكا أنهما يمثلان مشاريع هيمنة: الأولى إقليمية استيطانية، والثانية عالمية إمبراطورية. والتاريخ يعلّمنا أن:

  • القوة العسكرية وحدها لا تكفي لضمان البقاء.
  • الظلم والاحتلال لا يُنتجان استقرارًا طويل الأمد.
  • الشرعية الشعبية والإنسانية شرط أساسي لأي مشروع حضاري مستدام.

خاتمة

    قد لا تنهار إسرائيل خلال عامين، وقد لا تتفكك الولايات المتحدة غدًا، لكن المؤكد أننا أمام مرحلة انتقالية كبرى في النظام الدولي. مرحلة تتآكل فيها المشاريع القائمة على الاستعمار والهيمنة، لتفسح المجال لمعطيات أكثر توازنًا وعدلًا. وهكذا يظل القانون التاريخي قائمًا: ما بُني على القوة المجردة أو الظلم، لا يمكن أن يدوم.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية