من صراع الحضارات إلى حقبة المواطنة: نهاية مرحلة وبداية أخرى حين يسقط جدار الطائفية، يولد جسر المواطنة

 

من صراع الحضارات إلى حقبة المواطنة: نهاية مرحلة وبداية أخرى

حين يسقط جدار الطائفية، يولد جسر المواطنة

بقلم عدنان الطائي

حقبة صراع الحضارات وسلبياتها

    بعد نهاية الحرب الباردة، قدّم المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون أطروحته الشهيرة صراع الحضارات عام 1993، ثم توسّع فيها بكتاب عام 1996. الفكرة الأساسية كانت أن النزاعات المقبلة لن تقوم على المصالح الاقتصادية أو الأيديولوجيات كما كان الحال في القرن العشرين، بل على خطوط الانقسام الديني والثقافي بين الحضارات الكبرى.

اعتبر هنتنجتون أن الصدام الأخطر سيكون بين الإسلام والغرب، وأن التوترات الحضارية ستحدد شكل النظام العالمي الجديد. وسرعان ما لاقت هذه النظرية صدى واسعًا، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث اعتبرها البعض تأكيدًا على صحتها.

لكن الواقع أثبت عكس ذلك:

  • الأزمات العالمية (مثل التغير المناخي والأوبئة) أبرزت حاجة البشرية للتعاون لا الصراع.
  • الاقتصاد المعولم جعل من المستحيل أن تعيش حضارة في عزلة عن الأخرى.
  • الهجرات والتنوع الثقافي غيّرت طبيعة المجتمعات وجعلت التعايش أمرًا حتميًا.

وبدل أن تُوحد الشعوب، ساهمت هذه النظرية في تأجيج الانقسام. بل استغلها البعض لتبرير الطائفية والتعصب والإبادة الجماعية، كما شهدنا في إفريقيا، وشرق آسيا، والشرق الأوسط. لقد كانت حصيلتها دماء مهدورة وأوطان ممزقة. 

حقبة نهج المواطنة العلمانية وإيجابياتها

اليوم، ومع تراجع خطاب الصدام، يطلّ أفق جديد يقوم على نهج المواطنة العلمانية، حيث تُبنى العلاقات الدولية على أساس الحقوق المشتركة، لا على الانقسامات الدينية أو العرقية.

إيجابيات هذا النهج تتجلى في:

  • الاعتراف المتبادل بين الأديان والثقافات، بعيدًا عن منطق الإقصاء.
  • العلمانية المعتدلة كإطار جامع يضمن حرية المعتقد والمساواة بين المواطنين.
  • اقتصاد آمن ومنتج قائم على المصالح المشتركة، لا على الهيمنة.
  • التسامح والتعددية باعتبارهما مصدر قوة واستقرار لا تهديد.

بهذا النهج، تتحول الطائفية من جدار يفصل الشعوب إلى جسر يربطها، ويُستبدل منطق الإلغاء بمنطق التلاقي.

رسالة إلى الشعوب كافة

   إن بناء عالم سعيد يبدأ من بناء الذات؛ فالشعوب التي تهذّب نفسها وتُنمّي قدراتها هي الأقدر على التعاون مع الآخر المختلف من أجل مستقبل مشترك. لقد أنهكنا التطرف باسم الدين أو القومية أو العِرق، بينما الحقيقة أن الخالق واحد، وصفاته كلها خير ورحمة وعدل. وما دام الأصل واحدًا، فإن واجبنا أن نُجسّد هذه الصفات في حياتنا اليومية.

   أما الديانات والمعتقدات فهي نتاج العقل البشري في محاولته للفهم الإلهيّ وتنظيم الحياة، فلا ينبغي أن تتحول إلى أداة فرقة، بل إلى جسور للتعارف والإخاء. فلنرفع شعار: "إنسانيتنا أولاً"، ولنجعل من التنوع قوة، ومن المواطنة طريقًا، ومن التعاون العالمي سبيلاً لبناء حضارة تليق بنا كبشر.

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية