هل هناك امل في انتصار العقل على السلطة وهل يتكرر ما حصل عام 1871 و1917؟

 

 هل هناك امل في انتصار العقل على السلطة وهل يتكرر ما حصل عام 1871 و1917؟

بقلم عدنان الطائي

نبذة تاريخية:

نعم هما حدثان مهمان في التاريخ وقعا في سنتي 1871 و1917، وكلّ منهما ترك بصمة كبرى على العالم:

 عام 1871

  • ألمانيا: شهد هذا العام توحيد الولايات الألمانية تحت قيادة بسمارك بعد الانتصار على فرنسا في الحرب الفرنسية–البروسية (1870–1871). بهذا أُعلنت الإمبراطورية الألمانية في قصر فرساي بفرنسا، وأصبحت ألمانيا قوة عظمى صاعدة في أوروبا.
  • فرنسا: بعد الهزيمة ظهرت كومونة باريس (مارس – مايو 1871)، وهي ثورة شعبية يسارية حاولت إقامة حكم عمّالي اشتراكي في باريس، لكنها قمعت بعنف شديد على يد الحكومة الفرنسية بدعم بسمارك.

الخلاصة: 1871 كان بداية صعود ألمانيا الموحّدة كقوة كبرى، وتجربة قصيرة لحكم شعبي في باريس انتهت بالفشل.

 عام 1917

  • روسيا: هذا العام شهد الثورة الروسية، حيث أُطيح بالقيصر نيقولا الثاني في ثورة فبراير، ثم استولى البلاشفة بقيادة لينين على السلطة في ثورة أكتوبر. وكانت النتيجة تأسيس أول دولة شيوعية في العالم (الاتحاد السوفيتي لاحقًا).
  • الحرب العالمية الأولى: أيضًا دخلت الولايات المتحدة الحرب رسميًا في أبريل 1917، مما رجّح كفّة الحلفاء ضد ألمانيا وحلفائها.

الخلاصة: 1917 غيّر مسار العالم سياسيًا واقتصاديًا: سقوط الملكيات القديمة، بروز الشيوعية، ودخول أميركا كقوة عالمية.

المناقشة:

 إذا ربطنا ما بين 1871 و1917 مع ما يحدث اليوم (2025) سنجد:

  • الأولى مثّلت تغيير خريطة أوروبا وصعود قوى جديدة.
  • الثانية مثّلت سقوط أنظمة وظهور أيديولوجيات جديدة.
  • وكلاهما يمكن أن يتكرر اليوم عالميًا مع التحولات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية.

 لذلك خلينا نضع مقارنة مباشرة بين ما حدث في 1871 و1917 وبين وضع العالم الآن (2025)، ثم نناقش إذا كان يمكن أن يتكرر التغيير الكبير:

 ..1871 – توحيد ألمانيا وصعود قوة جديدة

  • كان المشهد الدولي قبلها ثابت: بريطانيا وفرنسا أقوى الدول.
  • فجأة ظهرت ألمانيا الموحّدة كقوة عسكرية واقتصادية هائلة قلبت توازن أوروبا.
  • في الداخل الفرنسي ظهرت كومونة باريس كتجربة ثورية اجتماعية.

اليوم2025:

  • نرى صعود قوى جديدة مثل الصين والهند اقتصاديًا، وتركيا وإيران إقليميًا.
  • هناك احتجاجات شعبية في مناطق متعددة (أوروبا، أميركا اللاتينية، الشرق الأوسط) شبيهة بروح "كومونة باريس"، تطالب بالعدالة الاجتماعية ونظام عالمي مختلف.

.. 1917 – انهيار أنظمة وبروز أيديولوجيات جديدة

  • سقوط القيصرية الروسية وولادة الاتحاد السوفيتي، أيديولوجيا جديدة (الشيوعية).
  • دخول أميركا الحرب العالمية جعلها لاعبًا عالميًا أساسيًا لأول مرة.

اليوم (2025)

هناك تحدٍ عالمي للنظام الليبرالي الغربي، وصعود دعوات إلى نظام متعدد الأقطاب (روسيا–الصين–بريكس).

  • أيديولوجيا جديدة تلوح: التقنية + الذكاء الاصطناعي + الطاقة الخضراء قد تصبح بمثابة "أيديولوجيا العصر"، كما كانت الشيوعية في 1917.
  • أميركا تخشى فقدان موقعها كقطب أوحد، كما خشيت أوروبا قديماً من صعود ألمانيا.

هل يمكن أن يتكرر التغيير اليوم؟

نعم، وهناك مؤشرات واضحة:

1.  تحولات القوة: كما صعدت ألمانيا 1871، وصعد الاتحاد السوفيتي وأميركا 1917، الآن صعود الصين والهند والذكاء الاصطناعي.

2.  اضطرابات شعبية: الاحتجاجات الاقتصادية والسياسية في العالم (من فرنسا إلى أميركا اللاتينية إلى الشرق الأوسط) تشبه روح "الثورات".

3.  حروب كبرى أو باردة: كما فجّرت 1917 صراعًا عالميًا، اليوم أوكرانيا–روسيا، الشرق الأوسط، واحتمال صدام أميركي–صيني.

4.  أزمة نظام عالمي: النظام الغربي (الناتو + الدولار) يتعرض لتحديات حقيقية من بريكس، تمامًا كما واجه النظام القديم سقوط القيصريات وصعود الشيوعية.

 الخلاصة:
التاريخ قد يعيد نفسه بشكل مختلف:

  • 1871 = صعود قوة جديدة (الصين/الهند/الذكاء الاصطناعي).
  • 1917 = سقوط أنظمة وبروز أيديولوجيا جديدة (نهاية القطبية الأميركية/ولادة نظام متعدد الأقطاب + أيديولوجيا التقنية).

إذن نعم، التطلعات في التغيير ممكنة جدًا الآن، بل نحن نعيش بداياتها. السؤال فقط: هل سيكون التغيير سلميًا عبر التوازنات الجديدة؟ أم دمويًا كما حدث في الحروب الكبرى؟  نعم أقدّم سيناريوهات مستقبلية محتملة (مثلاً: حرب كبرى، أو نظام عالمي متعدد الأقطاب، أو ثورات تقنية–اجتماعية) على ضوء هذه المقارنة؟ وهل هناك امل في ضمور النظام الأمريكي والإسرائيلي كما حصل للنظام في الاتحاد السوفيتي بسبب الحتمية التاريخية.. بالفعل، ما يحصل الآن يقترب من إعادة تمثيل مشاهد 1871 و1917 ولكن بنكهة القرن الحادي والعشرين. لذلك خلينا أقدّم سيناريوهات مستقبلية محتملة على ضوء المقارنة:

-  السيناريو الأول: التغيّر التدريجي (ضمور أميركا وإسرائيل)

  • أميركا لن تسقط فجأة مثل الاتحاد السوفيتي عام 1991، بل تضمُر تدريجيًا:
    • فقدان السيطرة الاقتصادية (تراجع هيمنة الدولار لصالح اليوان والذهب).
    • خسارة التفوق العسكري المطلق بسبب سباق التسلح مع الصين وروسيا.
    • انقسامات داخلية متصاعدة (عرقية–اجتماعية–سياسية).
  • إسرائيل بدورها:
    • تعتمد كليًا على الدعم الأميركي.
    • إذا ضعفت أميركا، فإن إسرائيل ستفقد درعها الدولي.
    • من الداخل هناك تصدّع مجتمعي) يهود غربيون مقابل شرقيين، علمانيون مقابل متدينين (.

هذا السيناريو هو الأكثر واقعية، ويأخذ عقودًا (ربما 20–30 سنة).

-  السيناريو الثاني: الانفجار السريع (1917 جديد)

  • يشبه ما حصل مع روسيا القيصرية 1917.
  • أزمة اقتصادية أو حرب كبرى (مثل حرب الصين–أميركا حول تايوان أو حرب شاملة في الشرق الأوسط) قد تؤدي إلى انهيار مفاجئ في النظام الأميركي أو الإسرائيلي.
  • هنا يظهر "قطب عالمي جديد" بسرعة (الصين/بريكس) كما ظهر الاتحاد السوفيتي بعد الثورة.

هذا السيناريو ممكن، لكنه أقل احتمالًا من التدريجي، إلا إذا حصلت حرب عالمية ثالثة.

- السيناريو الثالث: التحوّل الناعم (نظام متعدد الأقطاب)

  • أميركا لن تسقط، لكنها ستقبل المشاركة في قيادة العالم بدل الانفراد بها.
  • كما حدث مع بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية: لم تنهَر بالكامل لكنها سلّمت القيادة لأميركا.
  • إسرائيل في هذا السيناريو قد تبحث عن شرعية جديدة بالاندماج الإقليمي (التطبيع + تحالفات اقتصادية (.

هذا السيناريو يخفّف من الصدام لكنه لا يمنع التوتر.

أين نحن الآن (2025)؟

  • مؤشرات كثيرة تدل على أن السيناريو الأول (التدريجي) هو الجاري حاليًا:
    • أميركا تخسر مناطق نفوذها خطوة بخطوة (أفغانستان، العراق، إفريقيا).
    • إسرائيل تعيش أضعف مراحلها منذ 1948 (عسكريًا واجتماعيًا).
  • لكن احتمال انفجار سريع يبقى قائمًا إذا تراكمت الأزمات (تايوان/أوكرانيا/الشرق الأوسط).

 الخلاصة

نحن أمام مرحلة انتقالية تاريخية، شبيهة بمرحلة 1871 و1917، لكن بنسخة أبطأ وأكثر تعقيدًا.

  • إسرائيل ستضمُر أسرع بسبب ضعفها البنيوي واعتمادها الكلي على الخارج.
  • أميركا ستتراجع تدريجيًا، ولن تسقط فجأة.

وإليك خريطة زمنية تقريبية (Timeline) لضمور أميركا و إسرائيل، بالاستناد إلى ما تحدثنا عنه (الحتمية التاريخية + المقارنة مع 1871 و1917):

 الخريطة الزمنية للتراجع (2025 – 2050 تقريبًا)

المرحلة الأولى (2025 – 2030): بداية الانكشاف

  • أميركا:
    • تصاعد الانقسام الداخلي (انتخابات، عِرق، هجرة، اقتصاد).
    • استمرار فقدان مناطق النفوذ: (الشرق الأوسط – إفريقيا – بعض آسيا).
    • الدولار يفقد بعض هيمنته مع توسّع بريكس والتعامل بالعملات المحلية.
  • إسرائيل:
    • تصاعد الصراع الداخلي (العلماني–المتدين، الأشكناز–السفاردي).
    • تراجع صورتها دوليًا بسبب الحروب المستمرة (غزة/لبنان/إيران).
    • اعتماد متزايد على الدعم الأميركي، ما يكشف هشاشتها.

 المرحلة الثانية (2030 – 2040): الانحدار الواضح

  • أميركا:
    • تصبح قوة كبرى لكن ليست مهيمنة (إلى جانب الصين والهند وربما أوروبا).
    • خسارة التفوق التكنولوجي تدريجيًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة.
    • احتمال انكماش دور الدولار إلى عملة إقليمية أكثر من كونه عالمية.
  • إسرائيل:
    • ضمور اقتصادي نتيجة عزلة متزايدة وصعوبة البقاء دون غطاء أميركي قوي.
    • احتمال ظهور حركة داخلية لإعادة التفكير في "الهوية اليهودية–الدولة".
    • ازدياد احتمالات الهجرة العكسية (يهود إلى أميركا/أوروبا).

 المرحلة الثالثة (2040 – 2050): أفول الدور

  • أميركا:
    • تتحول إلى قوة إقليمية كبيرة، لكنها لم تعد "شرطي العالم".
    • مكانتها شبيهة بمكانة بريطانيا اليوم: دولة مؤثرة لكن ليست مقرّرة.
    • الصين والهند وربما تحالف "بريكس+" يصبح هو محور الاقتصاد العالمي.
  • إسرائيل:
    • تعيش مرحلة ضمور وجودي:
      • إمّا دولة ضعيفة معزولة غير قادرة على السيطرة.
      • أو تتحول إلى كيان تحت وصاية/اندماج إقليمي (اتحاد شرق أوسطي مثلًا).
    • احتمال قوي لظهور "ما بعد الصهيونية"، أي دولة بتركيبة جديدة (ثنائية القومية أو أخرى).

 الخلاصة

  • إسرائيل: التراجع أسرع، وقد تدخل مرحلة الانكماش الحاد خلال العقدين القادمين (2030–2040).
  • أميركا: التراجع أبطأ، يستمر حتى منتصف القرن، لكنه تدريجي، بلا انهيار مفاجئ كسقوط الاتحاد السوفيتي.

يمكن القول إننا الآن (2025) في بداية المرحلة الأولى: التشققات بدأت تظهر بوضوح، لكن الانهيار الكامل لم يأتِ بعد. إليك الجدول الزمني المنسق لتوضيح مراحل ضمور أميركا وإسرائيل حتى منتصف القرن:

 الجدول الزمني (2025 – 2050)

الفترة الزمنية

الولايات المتحدة 🇺🇸

إسرائيل 🇮🇱

2025 – 2030 (مرحلة الانكشاف)

- تصاعد الانقسام الداخلي (انتخابات، عنصرية، اقتصاد). - فقدان نفوذ تدريجي في الشرق الأوسط وإفريقيا. - بداية تراجع هيمنة الدولار أمام بريكس.

- أزمات داخلية بين المتدينين والعلمانيين. - حروب متكررة (غزة، لبنان، إيران). - اعتماد أكبر على الدعم الأميركي يكشف هشاشتها.

2030 – 2040 (مرحلة الانحدار الواضح)

- أميركا تبقى قوة كبرى لكن ليست مهيمنة. - فقدان التفوق التكنولوجي تدريجيًا (الذكاء الاصطناعي والطاقة). - الدولار يفقد جزءًا كبيرًا من دوره العالمي.

- ضمور اقتصادي وعزلة سياسية. - تصاعد الهجرة العكسية (يهود إلى الخارج). - احتمال نقاش داخلي حول هوية الدولة (ما بعد الصهيونية).

2040 – 2050 (مرحلة الأفول)

- تتحول إلى قوة إقليمية قوية شبيهة ببريطانيا اليوم. - الصين والهند وبريكس تصبح المحور الاقتصادي العالمي.

- دخول مرحلة ضمور وجودي: إمّا كيان ضعيف معزول، أو وصاية/اندماج إقليمي (اتحاد شرق أوسطي). - احتمالية تفكك أو إعادة صياغة الهوية السياسية.

الخلاصة:

  • إسرائيل: مسار التراجع أسرع (قد تصل إلى أزمة وجودية بحلول 2040).
  • أميركا: مسار التراجع أبطأ، تدريجي، حتى تتحول إلى قوة إقليمية بحلول منتصف القرن.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية