مكر الدموع: قراءة في نرجسية عائشة – بين الازدواجية والمخاتلة الشعرية
مكر الدموع: قراءة في
نرجسية عائشة – بين الازدواجية والمخاتلة الشعرية
"لولا الدموعُ لما خشيتُ عذولا
فهي التي جعلت إليكَ
سبيلا"
بهذه الكلمات، تلبس الشاعرة عائشة ثوبًا من
الحزن المصنوع بعناية، وتسكب دموعًا ليست بالضرورة نابعة من ألم حقيقي، بل قد تكون
أشبه بـ"مكر ابن آوى" أو "دموع التماسيح"، حيث تُستعمل الدموع
لا لطلب العطف بل كأداة للتمكين والمراوغة. إن هذا البيت
الذي يظهر فيه الحزن كوسيلة، لا كحالة وجدانية صادقة، يكشف جانبًا من النرجسية
المتطرفة التي تميزت بها عائشة – نرجسية لا تنبع من جمالٍ روحي، بل من ثقة أنثوية
طاغية بذاتها، تخاطب الآخر لا من موقع الضعف، بل من موضع السيطرة العاطفية. وإذا عدنا إلى أبيات أخرى من شعرها، وجدنا تناقضًا بيّنًا يُشير إلى
ازدواجية في التعبير والسلوك الشعري، كما في قولها:
"ما لِلعذولِ سوى
السكوتِ إذا نطقتُ
فأنا التي تُخشى وإنْ
لم أَقْتُلِ"
هنا لا مكان للدموع، بل
استعلاء وهيمنة. تُمجِّد نفسها، وتعلن بشكل صارخ أنها تُخشى، حتى دون أن تُشهِر
سيفًا. فكيف لمن تبكي خشية العذول، أن تكون هي ذاتها من يُخرس العذول بصوتها؟ هذه
ليست حساسية شاعرية، بل ازدواجية بنيوية في المخيال والسلوك.
تقول في موضع آخر:"
أنا فوقَ أن تُدرَك
مشاعري
أو أن تُقال بعينِ
قَولِ قَتيلِ"
ترتفع هنا عن الحب، عن
الشكوى، عن التألم، لتتسامى بنرجسيتها فوق البسطاء من العشاق، وتجعل من مشاعرها
عرشًا خاصًا لا تطاله الكلمات ولا يلمسه الفقد. هذه
الازدواجية الدقيقة بين بكاءٍ مصطنع وحزمٍ متعجرف يُحاكي ما وصفه الدكتور علي
الوردي حين قال إن "الإنسان الشرقي يعيش ازدواجية في القيم، فهو يعبد المثال
ويتصرف بضده."، وهو ما نراه جليًا في تجربة عائشة الشعرية: تقول ما لا تفعل، وتبكي
ما لا تُؤمن به، وتُحب عبر مرآة ذاتها لا مرآة الآخر. إن دموع
عائشة ليست مجرد شعور، بل أداة خطابية نرجسية، مكرها أنثوي ناعم يُستغل لترسيخ
فكرة السيطرة على مشاعر الآخر وتطويعه. وهذا المكر الشعري يضعنا أمام تساؤل جوهري: هل كانت عائشة تحب؟ أم كانت تمارس غواية اللغة كأداة للهيمنة العاطفية،
كما يفعل المتنبي حين يُحب نفسه من خلال الآخرين؟
تعليقات
إرسال تعليق