الجامعات العراقية: حين يصبح الجهل مشروع دولة "التعليم العالي في قبضة المزورين: شهادة بلا عقل ودولة بلا مستقبل"
الجامعات العراقية: حين
يصبح الجهل مشروع دولة
"التعليم العالي في قبضة المزورين: شهادة بلا عقل ودولة بلا مستقبل"
بقلم: عدنان الطائي
لم يكن تصريح سكرتير
اتحاد الطلبة العام في العراق بشأن انهيار النزاهة الأكاديمية مفاجئاً لمن عاش
طويلاً وهو يراقب كيف تُذبح الجامعة على مذبح المحاصصة، وكيف تُفرغ العقول من
محتواها ليُملأ الفراغ بشهادات مزورة ومجلات وهمية وأطاريح مدفوعة الثمن.
ما جرى في التعليم
العالي ليس خللاً عابراً، ولا حالة فردية، بل هو انهيار بنيوي وهيكلي ناتج عن
استيلاء منظومة سياسية طاردة للعقل والمعرفة على مفاصل الدولة، وتحديداً الإسلام
السياسي الذي حوّل الجامعات إلى مكاتب حزبية ومعابر للترقية الوظيفية لا للترقي
العلمي.
وزير يحمل شهادة مزورة
من لبنان، وينتمي إلى فصيل مسلح كـ"عصائب أهل الحق"، لا يمكنه إلا أن
يدير وزارة التعليم كأنها غنيمة حرب، لا مؤسسة وطن. كيف نثق بمؤسسة يقودها
رجل لا يؤمن إلا بثقافة السلاح والخطابة الطائفية؟ وكيف نطلب من الطلبة النزاهة،
وأساتذتهم يبيعون البحوث على أرصفة المكاتب التجارية؟
لقد تحولت الجامعات إلى
سوق سوداء للشهادات العلمية. لم تعد الأطروحة مشروعاً معرفياً، بل
"طلبية" ينجزها موظف في مكتب خارجي مقابل مبلغ مالي، ثم تُمرر عبر لجان
تزكية حزبية، ويُمنح حاملها لقب "دكتور" ليعود ويدرّس نفس المنهج الذي
لم يقرأه يوماً.
لم يعد الحديث عن
الإصلاح كافياً، ولا تفيدنا بيانات الاستنكار التي تُصدرها الوزارة كلما افتضح أمر
جديد. ما نحتاجه هو تفكيك البنية الفاسدة نفسها، لا ترقيعها. نحتاج إلى إعادة
تقييم الشهادات، وإقالة كل مسؤول يحمل تزويراً، وفصل كل أستاذ متورط في تواطؤ
أكاديمي.
إننا في مرحلة خطيرة…
فحين تُدار الدولة بعقول لم تُختبر، وبشهادات لا أصل لها، تكون النتيجة انهياراً
شاملاً في الطب، في الهندسة، في القانون، في التربية… في الإنسان نفسه.
ما دامت العصابات تدير
الجامعات، فلن تكون هناك جامعة. وما دام الجاهل يُكافأ، فلن ينهض العراق.
إنه ليس انهياراً
تعليمياً فحسب… بل هو انتحار حضاري بأدوات رسمية.
تعليقات
إرسال تعليق