الكبرياء الزائف والنرجسية القاتلة تحت مظلة نرجسية المرأة وفوقية الرجل

 

الكبرياء الزائف والنرجسية القاتلة تحت مظلة نرجسية المرأة وفوقية الرجل

بقلم عدنان الطائي

في دهاليز النفس البشرية، يتجلى الكبرياء كقيمة نبيلة حين يكون انعكاسًا للكرامة والوعي بالذات، غير أن تحوّله إلى كبرياء زائف يحيله إلى قناع هشّ يخفي خلفه خواءً داخليًا، ومسرحية يتقمّص فيها الإنسان دور العظمة هروبًا من هشاشته الأصلية.

   إن الكبرياء الزائف ليس إلا صدى باهتًا لنرجسية مريضة، يرفض صاحبها أن يرى نفسه في مرآة الحقيقة، فيهرب إلى مرايا مشوّهة تعكس له صورة مثالية لا وجود لها. النرجسي لا يتعالى لأنه كبير، بل لأنه صغير لا يحتمل رؤية نفسه كما هي. وقد أشار "فريدريش نيتشه" إلى هذا المعنى حين قال: "بعضهم يرتدي ثوب العظمة لا لأنه عظيم، بل لأن صغره لا يُحتمل". أما "سيغموند فرويد"، فقد حلّل النرجسية باعتبارها آلية دفاعية، وقال: "النرجسي يحب ذاته لأنه لم يجد من يحبه بالصدق الذي كان يحتاجه".

    وفي زمن تتضخم فيه الأنا مع وسائل الظهور، يصبح الكبرياء الزائف وباءً روحيًا، تتوارى فيه القيم الحقيقية خلف ستار البهرجة والتفاخر. النرجسي لا يتقبل النقد، لأنه يرى في كل ملاحظة خرقًا لجدار الوهم الذي بناه حول ذاته. وهنا يقول "إريك فروم": "النرجسي لا يحب نفسه فعلاً، بل يحب الصورة التي اختلقها عنها، وكل من يقترب من تفكيك هذه الصورة يصبح عدوًا". من هنا، يصبح النقد للنرجسية فعل شجاعة، لا كراهية، لأنه دعوة للتصالح مع الذات الحقيقية، وللتخلي عن أوهام السيادة الكاذبة التي تُغرق النفس في العزلة والعقم الوجداني.

    وفي زمن المظاهر الخادعة، تسللت النرجسية إلى تفاصيل الحياة اليومية، فأصبح المديح الزائف بديلاً عن الصدق، والسطحيون أبطالاً في ساحات ضجيج لا عمق فيه. لم يعد الإنسان يقاس بعلمه أو خلقه أو حكمته، بل بعدد المتابعين، أو ببريق الصورة، أو بإتقان تمثيل التفوق حتى ولو كان زائفًا. وهكذا يغدو الكبرياء الزائف أداة للاستعراض، لا جوهرًا للقيمة. النرجسي لا يعيش ذاته، بل يؤديها كما يؤدي ممثل دوره على خشبة مسرح يصفق فيه الجهلة لكل قناع، ويهاجم فيه العقلاء كل صوت يطلب الحقيقة. إن أخطر ما في النرجسية هو أنها تقتل التطور الشخصي، إذ تمنع صاحبها من الاعتراف بالخطأ، وتحوله إلى كائن عاجز عن التعلّم، غارق في تمجيد ذاته. وكما قال الفيلسوف "آلان دو بوتون": "الذين يعجزون عن تقبّل النقد يعجزون عن النمو".

    النرجسية التي تظهر بين ثنايا النتاج الإنساني، ليست سوى انعكاس لمجتمع قاسٍ جعل الأنثى دائمًا في موضع الدفاع عن كيانها وعقدة نقد لفوقية الرجل كما ليست كل من ألبست الحروف ثوب التحدي تُعدّ بطلة. وليست كل امرأةٍ تمردت على الرجل رمزًا للتحرر، فبعض التمرد ليس إلا نرجسية مفرطة تخفي جرحًا داخليًا أو نقصًا متراكمًا ..أنها نموذج كما تعتقد للمرأة القوية، ما هي – عند التأمل المتأني – إلا مرآة لصورة نرجسية تتلذذ بتعظيم ذاتها، وتسعى لا لإثبات الوجود، بل لفرضه.. فالمبالغة في التحدي تجرّها إلى فخ آخر؛ وهو السقوط في استبدادٍ معاكس للرجل. فالحرية الحقيقية ليست في تحويل العلاقة إلى ميدان معركة بين "لبوة" و"أسد"، بل في جعلها مساحة لقاء، يحترم فيها كل طرف اختلاف الآخر، دون شعور بالدونية أو الفوقية ولا بأنها الشمس لا تخفى على أحدٍ... إن غابت الشمس أبدت نارها الحُقبُ.. ليست النرجسية مفخرة بقدر ما هي دليل على تضخم الذات، وكأن الكون لا يدور إلا في فلك كبريائها، فليس سوى قشرة براقة تُخفي هشاشة داخلية؛ إنه قناع يرتديه الشعور بالنقص في محاولة لتعويضه عبر إقصاء الآخر أو استصغاره.

   وإذا أرادت مجتمعاتنا النجاة من هذا الانحدار في السلوك، فإنها بحاجة إلى ثورة في الوعي، تعيد الاعتبار للتواضع، ولقيمة الإنصات، ولفكرة أن الاعتراف بالنقص لا يُقلل من الإنسان، بل يرفعه. فالإنسان النبيل لا يخجل من ضعفه، بل يتعامل معه ببصيرة. أما المتكبر الزائف، فهو يُخفي ضعفه خلف قلاعٍ من الادعاء، لا تلبث أن تنهار في أول اختبار.

    فالمرأة المتزنة ليست ضعيفة ولا خاضعة، بل هي من ترى في الرجل لا غريزةً تهددها، بل إنسانًا يُكمّل نقصها كما تُكمّل نقصه. وهي حين تبني، تفعل ذلك بثقة في النفس لا بإلغاء الآخر. تلك هي المرأة التي تكتب التاريخ لا تلعنه، تبني الجسور لا تحرقها، وتُربّي أجيالًا يعرفون أن الكرامة الحقة لا تُقال... بل تُمارَس وان الرغبة النرجسية لا تهدف للعيش مع الاخر، بل للانتصار عليه، ولذلك فالمرأة النرجسية لا تبني علاقات، بل تصنع خصومًا. (رينيه جيرار فيلسوف فرنسي).. والإنسان الفاضل لا يتعالى على غيره، بل يتعالى على رغباته، ومن هنا يلمح ارسطو بعمق الى ان التواضع هو سمة الحكيم لا الضعيف. وصدق الشاعر حين قال بحقها:

نظرتْ إلى المرآةِ… لم ترَ غيرَها 

لا ظلَّ أمٍّ، لا رفيقَ ولا أخا 

قالت: أنا الكونُ الذي لا ينتهي 

أنا الحقيقةُ… والبقيةُ زورُها 

 

لكنّ قلبًا في الزوايا هامسٌ 

قال: اختبأتِ، وخفتِ صوتَكِ حين بكى 

ما الكبرياءُ سوى ثيابٍ ضيّقةٍ 

تُخفي الصغارَ وتُرعِبُ الأعينَ البُكَى 

 

كوني منارًا لا جدارًا عابسًا 

فالضوءُ لا يغتالُ من قد أشركا 

الأسدُ إن صالَ انفرد، وإنّما 

تبني الحياةَ اللبوةُ إن ترَفّقا

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية