المرأة الأكاديمية بين التمجيد الرمزي والكفاءة الواقعية في السلطة

 

المرأة الأكاديمية بين التمجيد الرمزي والكفاءة الواقعية في السلطة

بقلم عدنان الطائي

في ظل الحراك العالمي الداعي إلى تمكين المرأة وتوسيع مشاركتها في مختلف مجالات الحياة، يتكرر الخطاب القائل بأن "المرأة الأكاديمية تُحدِث فرقاً في كل كتاب تقرؤه، وكل بحث تكتبه، وكل محاضرة تلقيها". وهو خطاب تحفيزي يستحق الاحترام، خصوصًا في سياقات كانت فيها المرأة مُقصاة من ميادين العلم والتعليم، ولا تزال تعاني من النظرة النمطية. غير أن هذا التمجيد الرمزي، حين يتحول إلى تقييم مطلق، يصبح سيفاً ذا حدين. فالأكاديمية ـ مثلها مثل نظيرها الرجل ـ لا تُقاس كفاءتها بالدرجة العلمية فقط، بل بما تملكه من وعي بالواقع، وفهم سياسي، وقدرة على تحويل المعرفة إلى فعل.

الأكاديمي والسياسة: فجوة الواقع

تُعَدّ الأكاديمية خبيرًة في مجالها، لكن هذا لا يعني أنها تصلح تلقائيًا لإدارة الدولة أو ممارسة الحكم. فالحكم الناجح لا يعتمد على الحفظ أو البحث أو المنهج الأكاديمي، بل يتطلب:

  • رؤية استراتيجية واقعية
  • وعي سياسي متعدد الأبعاد
  • مهارة التعامل مع الصراع والتناقض
  • مزيجًا من البراغماتية السياسية والمثالية القيمية
  • فهمًا ديناميكيًا للعلاقات الدولية والتاريخ المحلي

وهذه أمور لا تُدرّس بالكامل في الجامعات، بل تُكتسب في ميادين الممارسة، والتفاعل مع الأزمات، والخبرة في العمل العام. 

التقدير نعم، ولكن لا للتمجيد الأعمى

إن تمجيد المرأة الأكاديمية بوصفها صانعة تغيير مطلقة، دون النظر في نتائج ممارستها حين تدخل مجال السلطة، يفرغ التمكين من معناه الحقيقي، ويحوّله إلى شعار استهلاكي لا يسمن ولا يغني من وعي. التمكين الحقيقي يعني:

  • إتاحة الفرصة مع ربطها بالكفاءة
  • دعم المرأة التي تجمع بين الوعي السياسي والخبرة الأكاديمية
  • إعداد قيادات نسوية بمواصفات عالمية، وليس فقط شهادات جامعية وتجارب ميدانية تُثبت التباين

لقد رأينا نساء أكاديميات فشلن في مواقع السلطة حين اصطدمن بالواقع السياسي المعقد، كما رأينا نساء لم يمتلكن شهادات عليا لكنّهن امتلكن بصيرة سياسية مبهرة، وحسن إدارة، وشجاعة أخلاقية، جعلتهن من رموز الحكم الرشيد.

الخاتمة

نعم، المرأة الأكاديمية تحدث فرقاً حين تكون في موقعها الطبيعي: منتجة للمعرفة، محفزة للعقول، داعمة للتغيير الثقافي. لكن، إذا أردنا لها أن تنتقل إلى موقع القيادة بنجاح، فعلينا أن نُعدّها إعدادًا سياسيًا وواقعيًا عميقًا، بعيدًا عن الخطاب العاطفي والرمزية الفارغة. إن التمكين دون وعيٍ سياسيّ، كالتكليف دون تدريب، مآله الفشل، مهما حسنت النوايا أو علت الشعارات.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية