رغيف تحت الرماد. براءة على قارعة الموت

 

رغيف تحت الرماد. براءة على قارعة الموت

بقلم عدنان الطائي

  في صورة لا تحتاج إلى تعليق، تسير طفلة حافية على ركام الزمن، تحمل على ظهرها أخاها النائم، وكأنها تحمل غزة كلها، في صمتها، في اتساخ ملابسها، في يديها الصغيرتين المطبوعتين بالجوع والخوف. قطعة خبز، لا تزال ساخنة من حرارة النجاة، تحتضنها كما تحتضن الروح الجريحة آخر ذرة أمل.

أي فلسفة يمكنها أن تشرح هذا المشهد؟
أي تراجيديا تليق بعينين ما زالتا تتعلمان البكاء؟
كيف يمكن للطفولة أن تتكوّر هكذا، على أكتاف طفلة، وتصير عبئًا وجبلاً ومسؤولية في آنٍ واحد؟

في غزة، الطفولة لا تُقاس بالأعوام، بل بعدد المرات التي ينجو فيها الطفل من القصف. في غزة، لا يحفظ الأطفال أسماء الألعاب، بل أسماء الشهداء.

الطفلة التي تراها في الصورة، ليست خيالاً، إنها الحقيقة في أوضح صورها: جميلة كالبقاء، حزينة كالفقد، قوية كالحياة حين ترفض أن تموت. ملابسها الممزقة ليست مجرد قماش بالٍ، بل تاريخ بيت دُمر، ومدرسة صارت ركامًا، ومدينة تئن كلما جاء الليل.

الرغيف الذي تحمله، ليس فقط خبزًا، بل هو شهادة على أن في غزة من يعيش رغم كل شيء. أن في قلب الرماد، تنبت الحياة أحيانًا... لكنها حياة من شظايا وأوجاع.

أي إنسانية يمكنها أن تغضّ البصر عن هذا المشهد؟
أي ضمير عالمي لا يرتجف وهو يرى في عيني هذه الطفلة سؤالاً لا جواب له:
لماذا أنا؟ لماذا نحن؟
أليس لنا الحق في صباح دون شهيد؟
في ليلٍ لا تهزه طائرات الموت؟

لقد تجاوزت مأساة غزة حدود السياسة والجغرافيا، وأصبحت جرحًا في قلب الفلسفة، عارًا على العقل البشري الذي ما زال يبرر القتل، ويصمت أمام دمعة طفل.

لا خاتمة لي، تجمد العقل امام الطفلة التي تحمل أخاها وتضم الرغيف، تحملنا جميعًا على أكتافها: تحمل صمتنا، عجزنا، وموت إنسانيتنا. وكلما نظرنا للصورة، علينا أن نتذكر أن غزة ليست خبرًا في نشرة، بل جرحًا فينا لم نداوه بعد.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية