جَرحُ الجميلِ حينَ خانَهُ اللئيمُ ومضاتٌ أندلسيّة عن نكرانِ الوفاءِ

 

جَرحُ الجميلِ حينَ خانَهُ اللئيمُ
ومضاتٌ أندلسيّة عن نكرانِ الوفاءِ

بقلم عدنان الطائي

نعم، هناك عدد من شعراء الأندلس الذين تناولوا في أشعارهم نكران الجميل، وهو موضوع إنساني عميق تكرّر في مختلف العصور، لا سيما في الأندلس حيث عاش الشعراء تجارب مريرة من الغدر والنكران، سواء في السياسة أو الحب أو الصداقة.

في فردوسِ الأندلسِ، حيثُ كانتِ القصائدُ تُغنَّى على ضفافِ الوادي الكبير وتحتَ ظلالِ قصورِ الزهراء والحمراء، وردَ الكثيرُ من الشكايةِ من لؤمِ الناسِ ونكرانِهم لجميلِ الصُّحبةِ أو الصَّنيع. فمن ابنحزمٍ إلى ابنزيدون، ومن لسانِ الدين بن الخطيب إلى أبيالبقاء الرندي، رسمَ الشعراءُ لوحاتٍ يختلطُ فيها العتابُ بالأسى، والحكمةُ بالدّمعة.

ابنحزم:
وإذا أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ
وإن أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدا

ابنزيدون بعد نفيه:

كم كنتَ تُظهِرُ لي ودّاً وتُخفِي غِشَّـاً
فالآنَ بانَ خِداعُك بعدما ضاعَ العِشَّا

كذلك نجد عند لسان الدين بن الخطيب:

كم جازيتُ أناساً بالإحسانِ صدقاً
فما وجدتُ إلا الجُحودَ جزاءً

وقد قال أحدهم، ويُحتمل أنه من شعراء الأندلس:

أعلِّمُه الرمايةَ كلَّ يومٍ
فلما اشتدَّ ساعدُه رماني

هذه الأصواتُ القديمةُ لا تزالُ تتردَّدُ في زماننا، تُذكِّرُنا بأن الوفاءَ جوهرُ الإنسانيّة، وأن جحودَه يُوجِعُ النفوسَ في كلِّ عصر، وعلى نهجهم أقول قصيدة في بحر الكامل، قافيتها الميم المضمومة:

أَسـقَيْتُـهُ وِدِّي فَلَمـا       طـابَ الغـمامُ شَقى الغَمـيمُ
ورفَعْــتُهُ حَتّى رأيـ        تُ فـوقَ كَـفّيـهِ النُّـجومُ
وأقمتُ مُملكَهُ الحَــنـا    نِ وسِرُّ عَــرشِي لا يُـرومُ
فَلَمَّا اشتَدَّ ساعِدُهُ جَـ   رَّدَ السِّهامَ وما يَحومُ!
يا مَن جَحَــدتَ صَنيعيَ الـأَمضـى من الحُسامِ إذا يَهُومُ
خُذ من ليالي الأندلُسْ    عِبَراً؛ فَهُنـاكَ مـن يَحـومُ
أحـرقُوا قصرَ الـوَفاءِ      فَبكى على جُدرانِهِ النُّسيمُ
ولَـو أنصَفَ الدَّهرُ امرَأً   لَـردَّ صـنيعاً لا يُـدومُ

واختم ودعوتي للتأمل

إنَّ نكرانَ الجميلِ ليس مجرّدَ خطأٍ أخلاقيّ، بل هو كَسرٌ لعقدٍ غيرِ مكتوبٍ بين الأرواح. علَّ هذه الأبياتِ تستفزُّ فينا الحنينَ إلى قيمِ الوفاءِ التي حملها أهلُ الأندلس وعاشوا بها رغم تقلُّب الزمان.

شاركوا هذا المنشور مع من تحبّون تذكيرَه بأن العطاءَ بغيرِ وفاءٍ ولبوسه الغائية يذبُل، وبأنَّ أجملَ ما يَخلُده الإنسانُ هو صَدى صُنعِه الحسن في قلوبِ الآخرين.

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية