المرأة بين الضحية والمتسلطة: قراءة استكماليه لفكر نوال السعداوي

 

المرأة بين الضحية والمتسلطة: قراءة استكماليه لفكر نوال السعداوي

بقلم: عدنان الطائي

في فضاء الفكر الحر، برزت نوال السعداوي كأيقونة لا تُنسى، تمردت على القهر، وصرخت في وجه السلطة الأبوية بكل تجلياتها: الدينية، السياسية، والثقافية. كانت كتاباتها كجراحاتٍ فكرية، تعرّي المستور وتكسر الصمت الطويل الذي فُرض على جسد المرأة وعقلها. لكن في خضم معركتها العادلة، تُطرح تساؤلات عادلة أيضًا: هل كانت نوال السعداوي عادلة في نقدها؟ وهل من المنطقي أن تنسى، بقصد أو دون قصد، نرجسية المرأة، أو قابليتها للتحول إلى جلادٍ حينما تُمنح السلطة؟

بين النضال والمساءلة

نوال لم تكتب بوصفها فيلسوفة وجودية تسبر أغوار النفس البشرية عند الجنسين، بل كناشطة تمسك بالقلم كمن يمسك بسيف، تواجه فيه منظومة لا تترك للأنثى هامش تنفس. لذا، فإن تركيزها الحاد على الرجولة القامعة" جاء من انحياز نضالي للضحية، لا من إنكار لمساهمة المرأة أحيانًا في إنتاج نظام القهر نفسه. ففي كتابها "المرأة والجنس"، نجد نقدًا واضحًا للأم التي تربي ابنتها على الطاعة والحياء القاتل، ولكن هذا لا يمتد إلى تفكيك نرجسية المرأة أو قابليتها للتسلط حين تتغير موازين القوة.

نرجسية المرأة... الوجه الآخر المسكوت عنه

النرجسية ليست حكرًا على الرجل، كما أن القهر ليس امتيازًا ذكوريًا مطلقًا. كثيرًا ما تتجلى نرجسية المرأة في ممارسات أنثوية ناعمة لكنها قمعية:

  • في علاقاتها العاطفية، حين تمارس الابتزاز العاطفي.
  • في الأسرة، حين تفرض سيطرتها على الأبناء بدعوى الحنان.
  • أو حتى حين تستنسخ القوالب الذكورية ذاتها عندما تُمنح سلطة اجتماعية أو مهنية.

لقد أشار فرويد إلى أن النرجسية مرحلة يشترك فيها الذكر والأنثى في الطفولة، بينما ألمحت سيمون دي بوفوار إلى أن المرأة ليست مجرد ضحية، بل أحيانًا "شريكة في عبوديتها"، حين تستسلم لدورها وتدافع عنه بإيمان.

نحو نقد مزدوج ومتوازن

إن الفكر الحر لا يكتمل إلا حين يُمارس نقده بشمولية. وإن الدفاع عن المرأة لا يبرر التغاضي عن تشوهات في الشخصية الأنثوية، تمامًا كما لا يجوز تبرير تسلط الرجل بدعوى القوة أو الغريزة. لهذا، فإننا ندعو إلى نسوية إنسانية حقيقية، لا تنتصر للمرأة لأنها امرأة، بل لأنها إنسان قادر على الخير والشر، مثلها مثل الرجل. نريد فكرًا يرى القهر لا في الذكورة أو الأنوثة، بل في غياب العدالة، وفي غلبة النرجسية على التعاطف.

خاتمة

نوال السعداوي أعادت للمرأة صوتها، ولكن صوت الفكر لا يكتمل إلا إذا استطاع أن ينقد ذاته أيضًا. وإذا كانت قد خاضت معركتها ضد "فوقية الرجل"، فإن الجيل التالي مدعوّ ليخوض معركة أعمق ضد الاستعلاء الإنساني، سواء جاء على هيئة رجلٍ متسلط... أو امرأةٍ نرجسية تلبس ثوب الضحية.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية