كاظم الدجيلي: رجل الحرف والدبلوماسية الذي أنجبته الذاكرة العراقية
كاظم الدجيلي: رجل الحرف والدبلوماسية الذي
أنجبته الذاكرة العراقية
بقلم: عدنان الطائي – حفيد النسب، والوجدان
حين تشرق في الذاكرة
أسماء تشبه العراق، فلابد أن نذكر كاظم حسين عبد الله الدجيلي، أحد رجالات الفكر
والقلم في مطلع القرن العشرين، وأحد أبرز من جمعوا بين سحر اللغة وجلال السياسة.
وإني إذ أكتب عنه اليوم، لا أكتب من موقع
المؤرخ أو الناقد، بل أكتب بوجدان من يحمل إليه نسب الدم وقرابة الروح، فقد كان
هذا الأديب والدبلوماسي الكبير جدي من جهة أمي، وما ورثتُ عنه مالًا ولا منصبًا،
بل ورثتُ عشقًا للكلمة، وإيمانًا بكرامة العراق التي كان يحملها في صدره حيثما حلّ
وارتحل.
النشأة وبداية التكوين
وُلد كاظم الدجيلي في
قرية "سُميكة" شمال بغداد سنة 1884، والتي عُرفت لاحقًا باسم
الدجيل. تفتحت عينه على أصوات الفلاحين والقرآن الكريم، فحفظه صغيرًا، ثم تلقى
تعليمه الأولي في كتاتيب بغداد، ومنها بدأ شغفه بالعلم، فنهل من كبار أعلام عصره: الآلوسي، الكرملي،
الزهاوي، والصدر.
الحرفُ الناطق باسم
الذاكرة
في زمن كانت الكلمة فيه
تُصنع بماء القلب، كان الدجيلي من أوائل من أسسوا لمشهد أدبي عراقي معاصر.. أسهم في تأسيس مجلة "لغة العرب" إلى جانب الأب أنستاس
ماري الكرملي عام 1911، ونشر مقالاته في كبريات المجلات العربية
كـ"المقتطف" و"الهلال"، واستحق أن يُصنَّف كواحد من أدباء
الرعيل الأول الذين ربطوا التاريخ الشعبي بالكتابة الحديثة.
من مؤلفاته الموثقة:
- السفن العراقية
- تاريخ الكاظمية
- تاريخ كربلاء
- تاريخ النجف
- تاريخ سامراء
- تاريخ الكوفة
- مسرحية "باشا
بغداد" باللغة الإنجليزية
وقد أشار الباحث روفائيل بطي إلى أنه ترك خلفه
ما لا يقل عن 29 مؤلفًا، كثير منها لم يُنشر.
الدبلوماسي الذي نطق
بالعربية في عواصم العالم
لم يكن الحرف هو كل ما
أتقنه، فقد دخل معترك الدبلوماسية بثقافة عالية ونفس نبيلة. تقلّد مناصب في لندن، دمشق، بومباي، حيفا، القدس، باريس، موسكو، تبريز،
وكان مراقبًا للبعثات العلمية العراقية في أوروبا، وعضوًا في المجمع العلمي العربي
بدمشق. كما درّس الأدب العربي في جامعة لندن، ناقلًا
معه صوت العراق إلى قاعات الغرب الراقية.
النهاية في فيينا…
والنور في الذاكرة
بعد تقاعده عام 1948،
اختار العيش في فيينا، حيث توفي عام 1970.، لكن روحه لم تهدأ هناك… نُقل
جثمانه إلى النجف الأشرف، ودفن في وادي السلام، المكان الذي يليق بمن عاش حاملًا
السلام الأدبي والسياسي على كتفيه.
كلمة شخصية:
حين عرفت أنني وُلدت في ذات السنة التي رحلت فيها مي زيادة، عام 1941تأملت كثيرًا… واليوم، حين أستحضر علاقة كاظم الدجيلي بميّ، ومراسلاته معها، وردوده عليها في مجلة المقتطف، شعرت أني امتداد لذاكرة مزدوجة: أدبية وإنسانية، تبدأ من رحم النسب، وتمتد إلى عمق الفكرة. وإنني إذ أكتب اليوم، لا أخلّد رجلًا فحسب، بل أستحضر وجدان أمة كانت تقرأ، وتكتب، وتحاور. أمة تُنجب رجالًا مثل كاظم… وتمضي.
سيرة ذاتية ادبية مختصرة لكاتب المقال عدنان الطائي
كاتب ومفكر عراقي من جيلٍ ظلّ وفيًّا لذاكرة
العراق الثقافية، يتنقّل بين النقد الأدبي، والمقالة الفكرية، والسرد الوجداني. تتقاطع كتاباته بين القلق الفلسفي والحنين الإنساني، ويهتم بإحياء رموز
العراق المنسيين في الوجدان المعاصر. يقيم في
أستراليا، وقد أسس لنفسه حضورًا أدبيًا رصينًا من خلال كتاباته وحواراته الثقافية
عبر منصات متعددة. هذه المقالة هي تحية وجدانية منه إلى جده الأديب
والدبلوماسي كاظم الدجيلي، ونُشرت باسمه إحياءً للصلة بين الحرف والدم.
تعليقات
إرسال تعليق