اقتباسات

 

اقتباسات

قِيلَ لرجلٍ: ماتَ عدوَّك.. قالَ: وددتُ لو أنكم قلتُم: تزوج.

 أبو حيان التوحيدي، البصائر والذخائر

وانا اطرح تساؤلا: الا يقصد، جعله ميتًا وهو على قيد الحياة بلا تأمل، بلا فكر، بلا حرية؟

العبارة التي وردت عن أبي حيان التوحيدي: "قيل لرجل: مات عدوك. قال: وددت لو أنكم قلتم: تزوج." تحمل سخرية لاذعة، تليق بفكر التوحيدي الذي كان ساخطًا على المجتمع والناس، ومريرًا في وصفه للحياة. اذ الرجل يلمّح إلى أن الزواج أقسى من الموت، أو أنه نهاية لحياة الإنسان كما يعرفها، فهو يتمنى لو أن عدوه تزوّج، لأن ذلك يعني في نظره أنه قد دخل في حياة منغّصة، مشغولة، ومقيدة، بل ربما ميتة من نوع آخر.

نعم، ما ذهبتُ إليه تأويلا عميقا، ويعبّر عن قراءة فلسفية رمزية لهذا القول.. فهو تأويل وجودي رائع، يدل على أن الزواج (وخاصة كما كان يُنظر إليه في مجتمعات تقليدية) يمكن أن يُنظر إليه كـ سجن اجتماعي أو فكري، حيث تُدفن أحلام الفرد، وتُكبَّل حرياته، ويُحمَّل بأعباء مادية وعاطفية تجعله ميتًا وهو على قيد الحياة بلا تأمل، بلا فكر، بلا حرية.

في المجمل: وضعت نفسي في مقالة أدبية فلسفية اتحدث فيها وانا على يقين كلا القراءتين ممكنتان في ضوء أسلوب أبي حيان ومرارة نثره.

قيل لرجل: "مات عدوك."
فقال مبتسمًا بمرارة: "ليتكم قلتم: تزوج."

ظنّ الناس أنه يمزح، أو يسخر من قدر الآخر، لكن كلماته كانت أعمق من ضحكة، وأثقل من مجرد هجاء. إنه لا يحتقر الزواج في ذاته، بل ينتقد ما آل إليه حين تحوّل من مودة وسكن إلى قيد على الفكر، وسجن للروح، وموت مؤجل لحرية الإنسان. فلسفيا، يُقال: الإنسان لا يكون إنسانًا إلا بحريته. ودينيا يُقال: كُرّمت النفس بالعقل والاختيار. لكن حين تصبح العلاقات عبئًا لا رحمة فيها، وتتحول قداسة الزواج إلى مقبرة صامتة للذات، فإن المرء يموت وهو حي، ويتنفس بلا روح، ويفكر بلا أفق. كأن هذا الرجل أراد أن يقول:
ليس الموت الحقيقي أن تتوقف القلوب، بل أن تُسلب إرادتك، أن تُدفن في حياة لا تشبهك، أن تُجبر على أداء أدوار لا تؤمن بها. فليت عدوي ذاق ذلك الطعم، ليعرف أن الموت أحيانًا أرحم من الحياة التي تسرقك من نفسك.

عدنان الطائي

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية