فاقد الشيء لا يعطيه (قراءة دوستويفسكية في السياسة والأخلاق)

 

فاقد الشيء لا يعطيه (قراءة دوستويفسكية في السياسة والأخلاق)

 بقلم عدنان الطائي

في السياسة كما في الحياة، هناك أربع خصال لا تُطلب من أهل النقص، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن تزيّن بغيره. وما أكثر من لبسوا قناع الوطنية وهم خونة، أو تحدثوا عن الصدق وهم غارقون في الكذب. وهذه أربع لا تُطلب، بأربعة أمثلة من الواقع السياسي العربي والدولي:

🔹 لا تطلب الأمانة من الخائن:

   كيف نأتمن على مستقبل الأوطان من باع ماضيها؟! كم من مسؤول سياسي أو عسكري أفشى أسرار بلاده لدول أجنبية، أو مرّر صفقات مشبوهة أضرت بمصالح الشعب؟ في السياسة، من خان مرّة باسم المصلحة، سيخون ألف مرّة باسم الاستراتيجية.

🔹 لا تطلب الصدق من الكاذب:

   السياسي الكاذب هو من يعدك بالحرية وهو يسحق صوتك، يعدك بالعدالة وهو يوزع المناصب على عشيرته، ويدّعي الشفافية بينما يبني ثروته في الظلام. من تعوّد الكذب في الحملات، سيكذب في القرارات.

🔹 لا تطلب الوفاء من المتقلب:

  السياسي المتقلب لا وطن له إلا حيث مصلحته، يحالفك اليوم ويبيعك غدًا إذا تغيرت الرياح. كم من أنظمة وُقّعت معها اتفاقات ثم تخلّت عنها، وانقلبت على من وثق بها؟ الوفاء لا يُستورد، بل يُبنى على المبادئ.

🔹 لا تطلب النصيحة من الحاسد:

  الدول التي تُبطن الحقد وتُظهر النصح، لا تبعث بوفود دعم، بل بمهمات تخريب. كم من دولة حاقدة دخلت إلى جارها تحت شعار "الإعمار"، فزرعت الفتن، وأشعلت الأزمات، وسقط البلد في فوضى مدروسة؟ الحاسد في السياسة أخطر من العدو الظاهر، لأنه يتقن التنكر بثوب الحريص.

الخاتمة

   السياسة ليست ساحة مثالية، لكنها لا تنجو بدون وعي. فلا تطلب فضيلة من لا يؤمن بها، الفضائل لا تُستعار من أصحاب العيوب ففاقد الشيء لا يعطيه.. ولا تنتظر إخلاصًا ممن باع نفسه، ولا تتبع نصيحة من لا يتمنى لك الخير. وفي زمن العتمة السياسية… كن واعيًا، لا مغفَّلًا. أحط نفسك بمن يملك الخلق، لا من يتظاهر به.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية