الله والدين والعقل: من يملك الحقيقة؟ حوار بين صوتين: الضمير الحر والدين التقليدي (التدين)

 

عنوان الحوار:

الله والدين والعقل: من يملك الحقيقة؟
حوار بين صوتين: الضمير الحر والدين التقليدي (التدين)

استدراك

بقلم عدنان الطائي

 ما كان لي أن أكتب ذلك الحوار لولا صدق وعمق وجرأة الأسئلة المطروحة على الوجود التي يتردد الكثيرون في الاقتراب منها، فالفكر لا يُزهر إلا في أرض حُرّة، وفي نزاهة فكرية، وشجاعة مدركة، ووعي مزهر. حتى تميز الحوار تحت مظلة تلك المعطيات بما يلي:

  • الاعتراف بالله من خلال العقل لا الوراثة
  • رفض التقديس الأعمى دون الوقوع في الجحود
  • الفصل بين الدين والتدين، وبين الله والمؤسسة
  • الديانات جميعها في العالم هي نتاج العقل البشري، الواجب احترامها

    وهذه ليست مجرد "فكرة وسطية"، بل جسر إنساني بين الإيمان والحرية، يجعلنا قادرين على أن نحب الله دون أن نكره غيرنا، وأن نحترم الوحي دون أن نعبد النصوص.

المشهد:
    في فضاءٍ تأمّلي خارج حدود الزمان والمكان، جلس "الضمير الحر" مقابل "الدين التقليدي". لا سيف ولا منبر، بل نورٌ هادئ، وكلمات تنبع من وجدانٍ لا يبحث عن الغلبة، بل عن الحقيقة. 

الدين التقليدي:

   أحذّرك... المساس بآيات القرآن، انه خط احمر، إنّه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل، فكيف تجرؤ على نقد بعض آياته؟ ألا تؤمن أن القرآن من عند الله؟

الضمير الحر:

  بل أؤمن بالله حقًّا. أؤمن بوجوده بدليل عقليّ، لا تقليد فيه ولا تبعية. لقد نظرت في الخلق، وتأمّلت في أدق تفاصيل الخلية، كيف تنقسم، ثم تتوقف عن الانقسام بآلية دقيقة. أيّ خلية تتمرّد على هذا النظام تصبح سرطانًا. أفلا يدلّ ذلك على وجود قوّة عاقلة، منظمة، عادلة؟ هذا هو الله عندي.

الدين التقليدي:
جميل، ولكن كيف تنكر أن القرآن منه؟ ألم يقل: "ما فرّطنا في الكتاب من شيء"؟

الضمير الحر:

  لم أنكر، بل أفرّق. أُفرّق بين كلام الله المطلق، ودين البشر الذين زعموا أنهم يملكون الحقيقة المطلقة. أرى في القرآن جمالًا روحيًّا، لكن أجد فيه أيضًا نصوصًا تتناقض ظاهريًا مع ما أعرفه عن الله كعدالة مطلقة، كرحمة لا تتجزأ. كيف يدعو إله السلام إلى القتل؟ "اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ"؟ وهو القائل (انا لست بظلام للعبيد) هذه ليست من أدبيات الوحي، بل من أدبيات الحروب.

الدين التقليدي:

  لكنها نزلت في سياق قتال... وهناك تأويلات ومقاصد! 

الضمير الحر:

   أنا لا أبحث عن تبرير، بل عن انسجام داخلي. كيف تكون آية من الوحي، وهي تخالف مقاصد الوحي؟ ثم، كيف نفسّر قولًا مثل: "هذان خصمان اختصموا"؟ أليس من المفترض أن يُقال "اختصما" للمثنى؟ أليس الوحي معصومًا لغويًّا؟

الدين التقليدي:

  أنت تُخضع الوحي للعقل، وتريد أن تفهم المطلق بمنطق النسبي!

الضمير الحر:

  بل أقول: إن الله المطلق لا يمكن أن يناقض نفسه. وما لا يتوافق مع عدله الكامل، ومع العقل النقي، لا يمكن أن يُنسب إليه. أنا لا أقدّس النص لمجرد أنه نُسب للوحي، بل أفحصه، وأميّز بين ما هو نور إلهي، وما هو ظنّ بشري.

الدين التقليدي:

  وهل في الدين ظنون بشرية؟

الضمير الحر:

  نعم. هناك فرق واضح بين "الدين" و"التدين". الدين هو الله، هو الحقيقة العليا. أما التدين، فهو اجتهادات البشر، صراعاتهم، تأويلاتهم، مصالحهم أحيانًا. التدين يمكن أن يكون سلطة، يمكن أن يتحوّل إلى مشروع سياسي. أما الله؟ فهو منزّه عن كل ذلك.

الدين التقليدي (صوت منخفض):

  وكيف ترى الأديان إذًا؟ المسيحية؟ اليهودية؟ الإسلام والديانات المادية كالبوذية والهندوسية والسيخية؟

 الضمير الحر:

  أراها نتاجًا لحضارات، ثقافات، تجارب روحية عميقة... لكنها ليست كلّها من عند الله بالمطلق. فيها الحق، وفيها البشري. أُجلّها، أحترمها، لكن لا أقدّسها كمنظومات معصومة.

الدين التقليدي:

  وهذا يعني أنك تحرّر الإيمان من الأديان؟

الضمير الحر:

   بل أُحرّر الله من احتكار المؤسسات. من احتكار الكهنة، والفقهاء، ومن سلطة النص حين يُحوَّل إلى أداة قمع. أريد إيمانًا نقيًا، كما ينبت الزهر دون أمرٍ من أحد.

الدين التقليدي (صامت لحظة، ثم يقول):

  لك صدق في نيتك، وحرارة في ضميرك... لكن، هل يتحمّلك المجتمع؟

الضمير الحر:

  قد لا أُحتمل، لكنّي لا أقتل، لا أُكفّر، لا أُقصي. أضع سؤالي بين يدي الله... وأمضي.

خاتمة:

   في عالمٍ أنهكه الصراع بين من يدّعون امتلاك الحقيقة، وبين من يشكّون في كل شيء، يظهر صوت "الضمير الحر" لا ليهدم الإيمان، بل ليعيد إليه وهجه الإنساني. "الله واحد لا يتجزّأ، ولا يختزل في كتاب، ولا يُحتكر في طائفة، هو الحق، ومن لم يكن للحق، فقد عبد غيره دون أن يدري."

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية