الهوية المجروحة: قراءات في الانقسام الفكري والسياسي في المجتمعات الإسلامية"

 

"الهوية المجروحة: قراءات في الانقسام الفكري والسياسي في المجتمعات الإسلامية"
 
بقلم: عدنان الطائي

 المقدمة

من سؤال الهوية إلى مأساة الوجود

في زمن التصدّعات الكبرى، لا تُولد الأسئلة من فراغ، بل من جُرح في جوهره، ليس تأريخًا للهوية، ولا ترفًا فلسفيًا في سيرة الوجود، بل هو محاولة متواضعة لفهم هذا الشرخ الكامن في العقل الإسلامي المعاصر، ذلك الشرخ الذي تجلّى سياسيًا في انهيار الدول، وثقافيًا في صعود الهويات القاتلة، وروحيًا في انطفاء المعنى. منذ سقوط آخر مشروع نهضوي عربي في القرن العشرين، ونحن نتخبّط في مرآتنا: هل نحن أمة ذات رسالة، أم جماعات ممزقة بلا بوصلة؟ هل نحن أبناء حضارة نائمة أم ضحايا أوهام عميقة زرعتها قرون الاستبداد؟

في هذا المسار المظلم، يظهر مفكرون قلائل يمتلكون الجرأة على تفكيك الخوف المقدس ومواجهة الذات دون مكياج أيديولوجي. أحدهم كان داريوش شايغان، ذلك الفيلسوف الايراني الذي لم يكتب من موقع العقيدة ولا من تحت مظلة السلطة، بل من ألم الانقسام الداخلي، ومن رغبة صادقة في مصالحة الإنسان مع ذاته قبل أن يصالحه مع تاريخه. لقد وجدتُ في كتابه الهوية والوجود مرآة لفوضانا، وإشارات قوية لفهم مأزق المجتمعات الإسلامية وهي تُحاول اللحاق بالحداثة بأدوات الماضي، وتُطالب بالحرية عبر أنظمة القمع. لكن هذا الكتاب ليس قراءة في شايغان وحده، بل هو قراءة في واقعنا السياسي من خلال الفكر، وفي الفكر من خلال التاريخ المعاصر. نبحث فيه عن مفاتيح الأسئلة لا أجوبة نهائية. نقتفي أثر الهوية المجروحة، لا لنرثيها، بل لنفهم كيف تُشفى. واطرح سؤالا : لماذا نكتب هذا المقالة الآن؟ لأن الهويات تتكسر في الشوارع، لا في الجامعات. لأن الاستبداد لا يُسقطه الغضب وحده، بل الوعي. ولأن الإنسان العربي اليوم، وسط خيانات النخب، وانهيار القيم، وغطرسة الأنظمة، يستحق أن يسمع صوتًا يهمس له: "أنت لست خطأ التاريخ، لكنك بحاجة إلى أن تستعيد نفسك."

إلى من أُوجّه هذا الكتاب؟

  • إلى كل من أدمن الصمت لأنه لم يجد من يصغي لفكره.
  • إلى من رفض أن يختار بين الله والعقل، بين الإيمان والحرية.
  • إلى من يرى أن الدين لا يُلغى، بل يُفكّك ويتحرر.
  • إلى من تعب من الطائفية، لكنه لم يتخلَّ عن الأمل في الوطن.

ما الذي أرجوه من هذا العمل؟

ليس أكثر من إشعال شمعة في ممر طويل، وأن نعيد طرح الأسئلة بطريقة شريفة وأن نخلع ثوب المسلّمات، ونجرّب الوقوف عراة أمام الحقيقة، ولو مرة.

ختام المقدمة

في النهاية، هذا الكتاب ليس دعوة للقطيعة، ولا للتمرد الفوضوي، بل دعوة للتجاوز، دعوة إلى أن نبدأ من جديد، بعد أن نتعرّى من كل ما زُرع فينا دون وعي. إنها محاولة لتحرير الإنسان من الداخل، لأن أي ثورة لا تبدأ من الوعي، تنتهي إلى طاغية جديد يرتدي قناع الأمل. 

 الفصل الأول:

الهويـة بين الطمأنينة والانفجار

 بقلم: عدنان الطائي

 تمهيد: من نحن حين لا نعرف من نحن؟

ليست الهوية سؤالًا ترفيًا كما تُصوّر بعض النخب، ولا شعارات رومانسية تُرفع في المناسبات الوطنية، بل هي الركيزة الوجودية الأولى للإنسان والجماعة، الإطار الذي نفهم من خلاله أنفسنا والعالم من حولنا. لكن ماذا يحدث حين تتشقق هذه الهوية؟ حين تصبح الانتماءات عبئًا لا طمأنينة؟ وحين يتحوّل السؤال "من أنا؟" إلى نداء استغاثة في صحراء سياسية ودينية وثقافية غارقة بالتنازع؟ في مجتمعاتنا، لم تُبْنَ الهوية على عقد اجتماعي حرّ، بل وُلدت من إرث سلطاني، وموروث ديني مقدّس، وصراع تاريخي لم يُحسم. فجاءت الهوية هشّة ومتوترة، قابلة للانفجار عند أول خلاف.

 الهوية: المفهوم والبنية

يعرّف الفلاسفة الهوية بأنها "الشعور المستمر بالذات"، والقدرة على التمييز بين "نحن" و"الآخر" بطريقة واعية. لكن الهوية في مجتمعاتنا ليست ذات طابع مدني حر، بل غالبًا ما تُختزل في الدين، الطائفة، القومية، أو حتى القبيلة. بهذا المعنى، تتحول الهوية من رابط إنساني إلى قيد جماعي، ومن أداة فهم إلى أداة إقصاء.

 ثلاثية الانفجار: الدين، التاريخ، الدولة

1.  الدين كهوية شاملة: في غياب مشروع وطني جامع، يُصبح الدين ملجأً وهوية جاهزة، لكنه حين يُوظف سياسيًا، يتحوّل إلى أداة فرز لا وحدة.

2.  التاريخ غير المصالح: شعوبنا تعيش "ماضيًا لم تمتلكه"، وتُوظف التاريخ كأداة للتمييز والضغينة، لا للعِبرة والوعي.

3.  الدولة كمؤسسة فاشلة في إدارة التنوع: الدول العربية، في غالبيتها، لم تُنتج هوية سياسية مواطنية، بل أسّست لـ"هويات طائفية مزوّدة بالبطاقات الرسمية".

 الهويات القاتلة: من الانتماء إلى التوحّش

حين تفشل الدولة في إنتاج هوية مواطن، تُولد "الهويات القاتلة"، كما أسماها المفكر أمين معلوف. هذه الهويات تقوم على الانغلاق والتعصّب، والشعور الدائم بالتهديد من الآخر. في العراق، سوريا، لبنان، اليمن، وحتى في بعض المجتمعات الخليجية، نرى اليوم:

  • سُنيًا يخاف من شيعي، وشيعيًا يشك في سُني.
  • كرديًا يشك في العربي، وعربيًا يتهم الكردي بالانفصال.
  • مسلمًا ينظر للمسيحي كمستفيد، ومسيحيًا يشعر بالاضطهاد المبطّن.

هذه ليست صراعات دينية بحتة، بل صراعات هويات مجروحة تبحث عن شرعية بالقوة.

 الهوية المطمئنة: ما الذي فُقد؟

في لحظات قليلة من التاريخ، استطاعت بعض الدول (مثل ماليزيا، تونس، وحتى تركيا في فترات) أن تنتج هوية متوازنة، لأن:

  • الدين لم يُحتكر.
  • الدولة كانت قوية وعادلة.
  • التعليم لعب دورًا في بناء الوعي الجمعي لا الانقسام.

لكننا فقدنا هذا الطريق حين تمّت أسلمة السياسة، وتسييس الدين، وقبلنا أن تكون السلطة ميراثًا لا عقدًا. 

 الهوية الجديدة: هل نُعيدها أم نخلقها؟

السؤال الأهم ليس: كيف نعود إلى هويتنا؟ بل: هل كانت لدينا هوية جامعة أصلًا؟المطلوب ليس العودة، بل الخَلق الواعي لهوية مدنية، لا تُقصي أحدًا، ولا تقدّس سلالة، ولا تُؤلّه فكرة. هوية تعترف بالاختلاف، وتُعيد تعريف "الوطن" كأرض إنسان لا كغنيمة جماعة.

 خاتمة الفصل:

الهوية ليست قالبًا جاهزًا، بل مشروع مستمر من الوعي والمراجعة. وحين نُفرّط بها، نصير مثل سفينة بلا شراع. وحين نُقدّسها دون وعي، نصير قنابل تنتظر من يشعل الفتيل. وهنا نبدأ هذا الكتاب، بمحاولة أولى لفهم هذا الفتيل: كيف نصنع هوية لا تخاف من الأسئلة؟ ولا تُقتل باسم المقدّس؟

  الفصل الثاني

الازدواجية الحضارية: قراءة في فكر داريوش شايغان

 بقلم: عدنان الطائي

 تمهيد: العقل الشرقي في مرآة ذاته المشروخة

ما من عقلٍ أكثر معاناة من عقلٍ يحمل في داخله حضارتين متصارعتين، وزمنين متداخلين، وإلهين متنازعين.  ذلك هو حال العقل الشرقي اليوم، كما رآه الفيلسوف الإيراني داريوش شايغان، الذي واجه مسألة الهوية لا عبر الخطاب الديني أو السياسي، بل من خلال تفكيك البنية النفسية والثقافية للذات الإسلامية المعاصرة. يرى شايغان أن المجتمعات الإسلامية دخلت الحداثة بلا وعي فلسفي بها، فرفضتها في ظاهرها، لكنها تبنّتها في عمقها، فصار العقل فيها ممزقًا بين تقليد لا يُراجع، وحداثة لا تُفهم.

 من هو شايغان؟ ولماذا نعود إليه اليوم؟

  • فيلسوف وصوفي ومفكر إيراني وُلِد في طهران (1935-2018).
  • كتب عن الفلسفة الشرقية، والتحولات الفكرية في الإسلام، والتصادم الحضاري مع الغرب.
  • أبرز مؤلفاته: الهوية والوجود، ما الثورة الدينية؟، النفس المبتورة.

نعود إلى شايغان اليوم، لأنه وصف بدقة مرضًا مستمرًا نراه في حياتنا اليومية:

  • نعيش على تقنيات الغرب، ونلعنه في خطب الجمعة.
  • نُريد ديمقراطية ونبايع زعيمًا مدى الحياة.
  • نُطالب بحرية الفكر ونُحرّض على قتل المختلف.

إنه تناقض لا يُمكن حله بالسياسة، بل بمراجعة شجاعة للعقل المُنتج لهذه التناقضات.

 مفهوم الازدواجية الحضارية

الازدواجية عند شايغان ليست مجرد تردد بين موقفين، بل تشظٍ داخلي في الكيان الثقافي بأكمله، وتشمل:

  • اللغة: نُفكّر بدلالة عربية – دينية، ونتواصل بلغة حديثة مشبعة بمفردات غربية.
  • الزمن: نعيش جسديًا في الحاضر، وذهنيًا في الماضي المقدّس.
  • السلطة: نُدين الاستبداد، ونمجّد "الخليفة القوي".

والنتيجة هي عقل مشوّه: يبدو حديثًا لكنه محكوم بأوهام الماضي، ويتكلم عن المستقبل وهو خائف من مغادرته الرمزية الأولى.

 التقنية كقناع: حداثة بلا حداثيين

يقول شايغان:

"نحن لم ننتج الحداثة، بل استوردنا أدواتها فقط."

فالكمبيوتر في المدرسة، والصاروخ في الجيش، والإنترنت في البيت، لا تصنع مجتمعًا حداثيًا، بل تُزيّن شكلاً بلا مضمون. الحداثة ليست مظهرًا، بل بنية فكرية تبدأ من نقد المقدس، وتحليل النص، وإخراج الإنسان من قفص القطيع.

 الدين والهوية: المقدس المغشوش

لم يُعِد شايغان قراءة الدين من زاوية الإلحاد، بل من زاوية التحرر من قداسته السياسية.
فقد رأى أن الإسلام السياسي ليس عودةً إلى الدين، بل "أدلجة خائفة" له، تُحوّل النص المقدّس إلى ذريعة للسيطرة لا للهداية. يرى أن الشعوب الإسلامية لم تعد تعيش الدين كخبرة روحية، بل تستعمله كدرع نفسي ضد التغير، وخندق سياسي في مواجهة الآخر. 

 الطقوس بدل الفكر

في المجتمعات التي يعاني عقلها من ازدواج حضاري:

  • تتحوّل الصلاة إلى مجرد أداء شكلي.
  • تتحول الحُجّة إلى صراخ.
  • تتحول العقيدة إلى شعار سياسي.

وهكذا، تتكلس الروح، ويضيع المعنى، وتبقى القشرة تتحكم بالعقل.

 شايغان والسياسة: قراءة للمجتمعات لا للحكومات

ما يُميز شايغان أنه لم يكتب كشخص مؤدلج، بل كطبيب للفكر الجماعي.
هو لا يهاجم الإسلام ولا الغرب، بل يُحذّر من استيراد الحداثة دون فهمها، وعبادة الماضي دون نقده. وفي العراق، كما في إيران ولبنان، يمكن قراءة الواقع اليوم كما وصفه شايغان منذ عقود:

  • عقلٌ يعبد الماضي، وسلطة تُقايض الخوف بالدين، ومجتمعٌ يبحث عن نفسه وسط الحطام.

 نحو تجاوز الازدواجية: من النقد إلى التحرر

يقترح شايغان مسارًا ليس عدائيًا للتراث، بل نقديًا ومتصالحًا مع الروح:

  • أن نُعيد قراءة الدين بوصفه تجربة إنسانية لا نظام حكم.
  • أن نتبنى الحداثة لا كسلعة، بل كطريقة تفكير.
  • أن نخرج من وهم الهوية "المغلقة" إلى هوية حية، متعددة، رحبة. 

 خاتمة الفصل

الازدواجية الحضارية ليست قدرًا، لكنها إن بقيت بلا وعي، ستنتج مجتمعات متدينة بلا أخلاق، ومثقفة بلا وعي، وسياسية بلا مشروع. ودورنا – كمثقفين ومواطنين – أن نكسر هذه الدائرة المغلقة، ونسير في طريق الوعي، ولو كان طويلاً. إننا لا نكتب لنكسر الأصنام، بل لنُفكر في معنى الإنسان، في زمنٍ ضاق فيه الوطن، وضاع فيه العقل بين مقدّس بلا

عقل، وحداثة بلا روح. 

 الفصل الثاني

الازدواجية الحضارية: قراءة في فكر داريوش شايغان

✍️ بقلم: عدنان الطائي

تمهيد: العقل الشرقي في مرآة ذاته المشروخة

ما من عقلٍ أكثر معاناة من عقلٍ يحمل في داخله حضارتين متصارعتين، وزمنين متداخلين، وإلهين متنازعين. ذلك هو حال العقل الشرقي اليوم، كما رآه الفيلسوف الإيراني داريوش شايغان، الذي واجه مسألة الهوية لا عبر الخطاب الديني أو السياسي، بل من خلال تفكيك البنية النفسية والثقافية للذات الإسلامية المعاصرة. يرى شايغان أن المجتمعات الإسلامية دخلت الحداثة بلا وعي فلسفي بها، فرفضتها في ظاهرها، لكنها تبنّتها في عمقها، فصار العقل فيها ممزقًا بين تقليد لا يُراجع، وحداثة لا تُفهم.

 من هو شايغان؟ ولماذا نعود إليه اليوم؟

  • فيلسوف وصوفي ومفكر إيراني وُلِد في طهران (1935-2018).
  • كتب عن الفلسفة الشرقية، والتحولات الفكرية في الإسلام، والتصادم الحضاري مع الغرب.
  • أبرز مؤلفاته: الهوية والوجود، ما الثورة الدينية؟، النفس المبتورة.

نعود إلى شايغان اليوم، لأنه وصف بدقة مرضًا مستمرًا نراه في حياتنا اليومية:

  • نعيش على تقنيات الغرب، ونلعنه في خطب الجمعة.
  • نُريد ديمقراطية ونبايع زعيمًا مدى الحياة.
  • نُطالب بحرية الفكر ونُحرّض على قتل المختلف.

إنه تناقض لا يُمكن حله بالسياسة، بل بمراجعة شجاعة للعقل المُنتج لهذه التناقضات.

 مفهوم الازدواجية الحضارية

الازدواجية عند شايغان ليست مجرد تردد بين موقفين، بل تشظٍ داخلي في الكيان الثقافي بأكمله، وتشمل:

  • اللغة: نُفكّر بدلالة عربية – دينية، ونتواصل بلغة حديثة مشبعة بمفردات غربية.
  • الزمن: نعيش جسديًا في الحاضر، وذهنيًا في الماضي المقدّس.
  • السلطة: نُدين الاستبداد، ونمجّد "الخليفة القوي".

والنتيجة هي عقل مشوّه: يبدو حديثًا لكنه محكوم بأوهام الماضي، ويتكلم عن المستقبل وهو خائف من مغادرته الرمزية الأولى.

 التقنية كقناع: حداثة بلا حداثيين

يقول شايغان:

"نحن لم ننتج الحداثة، بل استوردنا أدواتها فقط." فالكمبيوتر في المدرسة، والصاروخ في الجيش، والإنترنت في البيت، لا تصنع مجتمعًا حداثيًا، بل تُزيّن شكلاً بلا مضمون.
الحداثة ليست مظهرًا، بل بنية فكرية تبدأ من نقد المقدس، وتحليل النص، وإخراج الإنسان من قفص القطيع.

 الدين والهوية: المقدس المغشوش

لم يُعِد شايغان قراءة الدين من زاوية الإلحاد، بل من زاوية التحرر من قداسته السياسية.
فقد رأى أن الإسلام السياسي ليس عودةً إلى الدين، بل "أدلجة خائفة" له، تُحوّل النص المقدّس إلى ذريعة للسيطرة لا للهداية.

يرى أن الشعوب الإسلامية لم تعد تعيش الدين كخبرة روحية، بل تستعمله كدرع نفسي ضد التغير، وخندق سياسي في مواجهة الآخر.

 الطقوس بدل الفكر

في المجتمعات التي يعاني عقلها من ازدواج حضاري:

  • تتحوّل الصلاة إلى مجرد أداء شكلي.
  • تتحول الحُجّة إلى صراخ.
  • تتحول العقيدة إلى شعار سياسي.

وهكذا، تتكلس الروح، ويضيع المعنى، وتبقى القشرة تتحكم بالعقل.

 شايغان والسياسة: قراءة للمجتمعات لا للحكومات

ما يُميز شايغان أنه لم يكتب كشخص مؤدلج، بل كطبيب للفكر الجماعي.
هو لا يهاجم الإسلام ولا الغرب، بل يُحذّر من استيراد الحداثة دون فهمها، وعبادة الماضي دون نقده. وفي العراق، كما في إيران ولبنان، يمكن قراءة الواقع اليوم كما وصفه شايغان منذ عقود:

  • عقلٌ يعبد الماضي، وسلطة تُقايض الخوف بالدين، ومجتمعٌ يبحث عن نفسه وسط الحطام.

 نحو تجاوز الازدواجية: من النقد إلى التحرر

يقترح شايغان مسارًا ليس عدائيًا للتراث، بل نقديًا ومتصالحًا مع الروح:

  • أن نُعيد قراءة الدين بوصفه تجربة إنسانية لا نظام حكم.
  • أن نتبنى الحداثة لا كسلعة، بل كطريقة تفكير.
  • أن نخرج من وهم الهوية "المغلقة" إلى هوية حية، متعددة، رحبة. 

 خاتمة الفصل

الازدواجية الحضارية ليست قدرًا، لكنها إن بقيت بلا وعي، ستنتج مجتمعات متدينة بلا أخلاق، ومثقفة بلا وعي، وسياسية بلا مشروع. ودورنا – كمثقفين ومواطنين – أن نكسر هذه الدائرة المغلقة، ونسير في طريق الوعي، ولو كان طويلاً. إننا لا نكتب لنكسر الأصنام، بل لنُفكر في معنى الإنسان، في زمنٍ ضاق فيه الوطن، وضاع فيه العقل بين مقدّس بلا عقل، وحداثة بلا روح. 

 الفصل الثالث:

الدين والسلطة: تحالف الخوف

بقلم: عدنان الطائي

 تمهيد: حين يتحول الإيمان إلى أداة حكم

عندما تنحني النصوصُ لتخدم السلاطين، ويُختصر الدين في فتوى أو بيعة، لا يعود المقدس مقدّسًا، بل يتحول إلى أداة ضبط اجتماعي وسياسي. هذا ما رآه المفكرون النقديون بوضوح، وأكّده الواقع الذي نعيشه في معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية. إنّ العلاقة بين الدين والسلطة لم تكن يومًا بريئة، ولا عابرة. فمنذ نشأة الدولة الإسلامية الأولى، ظلّ الصراع قائمًا: من يملك التأويل؟ ومن يمنح الشرعية؟ في هذا الفصل، نحاول أن نرصد كيف استُخدم الدين كوسيلة لإنتاج الطاعة، وتحويل المواطنين إلى رعايا، والمعارضة إلى كفر، والفكر إلى فتنة.

 الدين المُسيَّس: من الإيمان إلى الأيديولوجيا

الدين كقيمة روحية، دعوة إلى الخير، وتحقيق لمعنى أسمى في الحياة. لكن حين يتدخل في السياسة، يتحوّل غالبًا إلى أداة صراع على النفوذ. يصبح الإمام زعيمًا، والخطبة توجيهًا أمنيًا، والقرآن خطاب تعبئة. ومن هنا وُلد ما نسميه "الإسلام السياسي"، الذي لا يسعى إلى إصلاح الروح، بل إلى السيطرة على الدولة، عبر:

  • احتكار الفهم "الصحيح" للدين.
  • صناعة قاعدة جماهيرية دينية مشحونة بالخوف.
  • تفكيك مفهوم الدولة لصالح "أمة" مُتخيلة يقودها الفقيه. 

 استراتيجيات ترويض العقل:

السلطة الدينية – أو السياسية المتدينة – تعتمد على أربع أدوات:

1.  القداسة المزدوجة: الحاكم ممثل الله، وكل من يعارضه يعارض الله.

2.  الفتوى كسلاح: تجريم الفكر المختلف باسم الردة أو الزندقة.

3.  الخوف الجماعي: تهويل التهديد الخارجي (الشيعة/السنة/العَلمانية/المسيحيين...).

4.  تشويه الخصم: تصوير المثقف كعدو للثوابت، والناشط كعميل.

 التجربة العراقية والإيرانية: الدين كغطاء سلطوي

في العراق، تمّ تفريغ الدولة من مضمونها عبر الميليشيات الطائفية التي ترفع شعار الدين، لكنها تُمزق الوطن باسم الطائفة. أما في إيران، فقد تحوّل "الولي الفقيه" إلى ظلّ الله في الأرض، يتحكم في السياسة، والاقتصاد، والثقافة، وحتى في حياة الناس الخاصة.

هذه النماذج لا تُعيد الدين إلى مكانته، بل تحوّله إلى مشروع أمني يمارس القمع باسم السماء.

  الفصل الرابع:

السياسة كمسرح للهوية الجريحة

 بقلم: عدنان الطائي

 من الطائفة إلى الدولة: منطق الانقسام

الهوية حين لا تكون جامعة، تتحول إلى حلبة صراع. وعندما تفشل الدولة في تقديم مشروع وطني عابر للطوائف، تدخل السياسة في نفق الهويات القاتلة.

في العراق ولبنان، لم يعد الحزب هوية سياسية، بل الطائفة هي الحزب. والزعيم لم يعد ممثلاً للمواطنين، بل هو "أبو الجماعة"، صوت الله داخل الطائفة.

 الطائفية السياسية: اختراع لا أصالة له

ليست الطائفية جزءًا من "الطبيعة الشرقية"، كما يدّعي بعض المستشرقين، بل هي صناعة استعمارية ثم محلية، استُخدمت لإدارة الشعوب لا تمثيلها.

ومن نتائجها:

  • تقسيم الشعب إلى مكونات قابلة للإثارة.
  • تعطيل بناء الدولة المدنية.
  • شرعنة الفساد باعتباره "حصّة طائفة".

 الهويات في خدمة الخارج

حين تفقد الدولة سيادتها، تصبح الطوائف جُسورًا للتدخل. نرى هذا في:

  • العراق: حيث تتنازع المرجعيات وولاءات الخارج.
  • لبنان: حيث تتحكم الدول الإقليمية في القرار الداخلي.

وهكذا، تتحول الهوية الجريحة إلى وكالة سياسية بيد القوى الكبرى. 

 الفصل الخامس:

في نقد الحداثة المستعارة

 بقلم: عدنان الطائي

 حداثة بلا مشروع ولا جذور

الحداثة في مجتمعاتنا ليست ثمرة تطور طبيعي، بل بضاعة مستوردة. نأخذ منها التكنولوجيا ونرفض سؤال الحرية. نُشيد بالبنية التحتية، وندفن البنية الفكرية. فالديمقراطية، حين تكون استيرادًا، تتحول إلى مسرحية انتخابية. والحرية، حين لا تُزرع بالتعليم، تُقمع بالفوضى أو تُخنق بالدين.

 مأزق المثقف العربي

المثقف في عالمنا إما تابع للسلطة، أو مطارد من السلطة، أو منفصل عن الواقع. لم ننجح بعد في خلق طبقة فكرية مستقلة تؤسس للوعي الجديد. 

 الفصل السادس:

النهضة المؤجلة: هل ما زال الأمل ممكناً؟

 بقلم: عدنان الطائي

 لا خلاص دون إنسان

النهضة ليست شعارًا، بل مسار. وهي لا تبدأ من النخبة فقط، بل من إعادة بناء الإنسان.
ذلك الإنسان الذي كُسر بين المسجد والزعيم، بين الخرافة والرصاصة، بين الشعار والخذلان.

 خارطة طريق للنهضة:

1.  فصل الدين عن السلطة لا عن المجتمع.

2.  بناء دولة مواطنة، لا مكونات.

3.  تحرير التعليم من الأيديولوجيا.

4.  الاعتراف بالآخر كجزء من الوطن لا كتهديد له. 

 خاتمة الكتاب:

الهزيمة الفكرية ليست في السقوط، بل في التبرير له. وليس المطلوب أن نكفر بالماضي، بل أن نفهمه ونُعيد توجيهه نحو الحاضر. فمن لا يمتلك وعيه، لا يمتلك مصيره. وإن كانت الهوية اليوم مجروحة، فإنَّ ما نحتاجه ليس تضميدها بالشعارات، بل معالجتها بالصدق والجرأة والحرية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية