تقرير تحليلي: الصراع الإيراني الإسرائيلي – الدين السياسي والمصالح الدولية بقلم عدنان الطائي
تقرير تحليلي: الصراع الإيراني الإسرائيلي – الدين السياسي والمصالح الدولية
بقلم عدنان الطائي
أولًا: مقدمة عامة
تشهد منطقة الشرق
الأوسط صراعًا معقدًا تتشابك فيه الأبعاد الدينية مع الاستراتيجيات السياسية
العالمية. في قلب هذا الصراع تبرز المواجهة غير المعلنة - والمستمرة بأشكال متعددة
- بين إيران وإسرائيل، بوصفها صراعًا بين نموذجين من الدين السياسي المتطرف:
التشيع السياسي ممثلًا بنظام ولاية الفقيه في إيران، والتوراة السياسية
ممثلة بالحركة الصهيونية في إسرائيل.
ثانيًا: البعد الديني – صراع العقائد المتطرفة
. 1 إيران وولاية الفقيه
الشيعية
- المرجعية العقائدية: تستند الدولة الإيرانية إلى فكرة
"ولاية الفقيه" التي تُمهد لظهور "المهدي المنتظر"
القائم بالعدل الإلهي بعد امتلاء الأرض جورًا وظلمًا. في هذه الرؤية، لا مجال
للتعايش مع "الطغيان"، وغالبًا ما يُنظر إلى اليهود (وغيرهم) كعقبة
في طريق مشروع الخلاص العالمي.
- الامتداد الإقليمي: دعم إيران لميليشيات مسلحة في العراق،
لبنان، سوريا، واليمن يُعبّر عن رغبة في تصدير نموذجها العقائدي وإقامة محور
شيعي من طهران إلى البحر المتوسط.
. 2 إسرائيل والصهيونية
التوراتية
- العقيدة الدينية: تتغذى الصهيونية الحديثة على فكرة
"شعب الله المختار" مع نزعة توراتية تعيد إحياء النصوص الدينية
لإضفاء الشرعية على الاحتلال والتوسع، وهو ما يتجلى في الخطاب السياسي لليمين
المتطرف الإسرائيلي بقيادة نتنياهو.
- الهيمنة العقائدية: يسعى هذا الفكر إلى "تطهير
الأرض" وفق مفاهيم دينية متشددة، تعيق أي مسار حقيقي للسلام مع جيرانها،
بل وتكرّس منطق الإقصاء العرقي والديني.
النتيجة الدينية:
نحن أمام صراع ديني بامتياز، لا يمثل الشعوب، بل تفرضه نخبة أيديولوجية
تسعى لتحقيق نبوءات أو تأويلات دينية تتعارض مع قيم الحداثة والعقلانية وحقوق
الإنسان.
ثالثًا: الموقف الأمريكي – المماطلة الخلّاقة
. 1 استراتيجية "اللا
حسم"
- تمتلك الولايات المتحدة القدرة الكاملة
على إنهاء الصراع عسكريًا أو سياسيًا، لكنها تختار إطالة أمده. هذا الخيار ليس ناتجًا عن العجز، بل عن
استراتيجية إضعاف جميع الأطراف الدينية المتطرفة، كما فعلت سابقًا مع
"القاعدة" و"داعش"، وتاريخيًا مع التطرف المسيحي في
أوروبا.
. 2تطويع التناقضات لصالح
الهيمنة
- تُراهن واشنطن على استنزاف إيران
وإسرائيل معًا، ما يجعل كل طرف أكثر حاجة للحماية الأمريكية، ويبرر استمرار
تواجدها العسكري والسياسي في المنطقة.
- تُمارس أمريكا المناورة الدولية مع كل من
روسيا والصين: فتعرض لروسيا مكاسب اقتصادية في أوكرانيا، وللصين مزايا تجارية
في حال التخلي عن دعم إيران.
رابعًا: البعد السياسي – صراع المصالح لا
المبادئ
. 1 الهيمنة العالمية باسم
المصالح
- شعار "أمريكا أولًا" الذي رفعه
ترامب، يُفسر المشروع الأمريكي الجديد: إخضاع العالم
لمصالح واشنطن الاقتصادية والسياسية.
- هذا المشروع يُعيد صياغة التحالفات
العالمية، ويحوّل الدول الضعيفة – حتى الأوروبية منها – إلى تابعين لا شركاء.
. 2 الدول المستضعفة –
الثروات المنهوبة تحت ستار الحروب
- الدول الغنية بالثروات الطبيعية (كالنّفط
والمعادن النادرة) تُستهدف بشكل غير مباشر:
- إما عبر إثارة الفتن الداخلية (العراق ونيجيريا والسودان (.
- أو بخلق تهديد
خارجي دائم يُبرر استنزاف مواردها عبر صفقات سلاح أو قواعد أجنبية.
- أو بدعم أنظمة طائفية
أو عسكرية تمنع الشعوب من السيطرة على ثرواتها.
خامسًا: مدى صحة هذه القراءة وتحليل إمكانية
تطبيقها
|
البند |
التحليل |
المصداقية والتطبيق |
|
توصيف الصراع الديني
بين إيران وإسرائيل |
دقيق جدًا، ومبني على
خطاب معلن في كلا الطرفين |
مثبت في الوثائق
السياسية والدينية الرسمية |
|
سلوك أمريكا في عدم
الحسم |
واقعي، يتكرر منذ
الحرب الباردة وحتى حروب الشرق الأوسط |
مدعوم بأمثلة تاريخية
في أفغانستان، العراق، سوريا |
|
هدف أمريكا في ترويض
روسيا والصين |
جزء من الاستراتيجية
الاقتصادية العالمية |
يظهر بوضوح في
السياسات التجارية والعقوبات |
|
تأثير هذه السياسات
على الشعوب المستضعفة |
كارثي – يؤخر التنمية
ويشرعن الفساد والقمع |
فعلي وملحوظ، خاصة في
الدول ذات الحكم غير الديمقراطي |
سادسًا: التوصيات الأخلاقية والسياسية
1. ضرورة فصل الدين عن السلطة: الصراع الديني لا يُنتج
إلا الحروب. آن الأوان لدعم الفكر العلماني المعتدل الذي يرفض استخدام الإله
لتبرير القتل.
2. التكاتف بين الشعوب المستضعفة: لتشكيل جبهة دولية ضد
الاستغلال باسم الحماية أو الإعمار.
3. الضغط الشعبي العالمي لإنهاء الاحتلالات والحروب: من خلال منظمات مدنية
وإعلام مستقل.
4. فرض رقابة دولية على الثروات في الدول المنكوبة: بحيث يتم ضمان عدم
تحويلها إلى أدوات تمويل للصراعات الطائفية أو الديكتاتوريات.
سابعًا: خاتمة
ما يجري ليس مجرد
خلافات إقليمية أو حروب مصادفة، بل هو صراع عميق بين مشروعين:
أحدهما يُوظّف الدين لفرض الهيمنة والعنف، وآخر يُوظّف المصالح لتكريس
التبعية. بين هذين المشروعين، تضيع الشعوب، وتُنهب الثروات، وتُسحق القيم. ولا
سبيل للخلاص إلا بمشروع ثالث: مدني، إنساني، تحرري،
وطني.
تعليقات
إرسال تعليق