مسرحية ما بعد العبث (السلم والجدار)

 

مسرحية ما بعد العبث (السلم والجدار)

(ثلاثة مشاهد تنتقل من العبثية إلى ما بعد العبثية) 

بقلم عدنان الطائي

المشهد الأول: "الانتظار" 

(غرفة رمادية بباب واحد مغلق. سلم خشبي مكسور يرتكز على الجدار. شخصان: "أ" و"ب" يجلسان على كراسي مهترئة)

أ: (ينظر إلى الساعة) 

هل تعتقد أنه سيأتي اليوم؟ 

ب: (يقلب صفحات كتاب بلا كلمات) 

ربما. أو ربما لا. السؤال نفسه لا معنى له. 

(صوت قطرات ماء من السقف. "أ" يحاول جمعها بكفّه، لكنها تتسرب بين أصابعه. "ب" يضحك فجأة).

أ: لماذا تضحك؟ 

ب: لأنني تذكرت أننا ننتظر شيئًا لم نتفق على ماهيته. 

(يظهر ظل على الجدار يشبه إنسانًا، لكنه يختفي عندما يحاول "أ" لمسه. السقف يبدأ بالتساقط. المشهد يخفت). 

المشهد الثاني: "الحفرة" 

(نفس الغرفة، لكن السلم تحوّل إلى حفرة في الأرض. "أ" و"ب" ينظران إليها)

ب: (يشير إلى الحفرة) 

هذا كل ما تبقى من السلم. 

أ: (يصرخ نحو الحفرة) 

هل هناك أحد؟! 

(صدى الصوت يعود: "أحد... أحد... أحد...". "ب" يرمي الكتاب في الحفرة. لا صوت لاصطدامه بالقاع). 

ب: (بهدوء) 

المعنى مثل هذا الكتاب. يسقط إلى الأبد دون أن يصل. 

(يدخل "ج" من الباب المغلق سابقًا. يرتدي بذلة سوداء ويحمل علبة ألوان). 

ج: (يبتسم) 

أتعرفون لماذا السلم مكسور؟ 

(يصمت الجميع. المشهد يتجمد). 

المشهد الثالث: "الرسم" 

(الغرفة نفسها، لكن الجدار مغطى الآن برسوم أطفال: شمس، قارب، عيون. "ج" يرسم بابًا على الجدار. "أ" و"ب" يتابعان)

أ: (يلمس الرسم) 

هذا ليس حقيقيًا. 

ج: (يضحك) 

ولكنه قد يكون. 

(يأخذ "ب" لونًا أحمر ويرسم سلمًا على الجدار. "أ" يفتح الباب المرسوم ليجد خلفه مرآة تعكس صورته. صوت طفل يغني من بعيد. الضوء يصبح ذهبيًا). 

ب: (يُمسك يد "أ") 

ربما كنا ننتظر أنفسنا طوال الوقت. 

(الثلاثة يبدأون برسم جدار جديد على أنقاض القديم. الستارة تسقط ببطء بينما يضحكون). 

التحليل الفلسفي للمشاهد: 

1. المشهد الأول (العبثية الكاموية): 

   - العزلة، الحوارات الدائرية، انعدام المعنى. 

   - إشارة إلى "في انتظار غودو" لكن بلمسة كاموية (الانهزامية في مواجهة العبث). 

2. المشهد الثاني (الانتقال): 

   - الحفرة كرمز لليأس، لكن ظهور "ج" يمثل بداية التمرد. 

3. المشهد الثالث (ما بعد العبثية): 

   - الرسم كفعل إبداعي يخلق معنى مؤقتًا. 

   - الجمع بين الواقعية (الجدار الحقيقي) والمثالية (الباب المرسوم). 

"المسرح الجديد لا يخاف من الفوضى، بل يرقص معها، ثم يبني بيتًا من ركامها."

 التحليل الفلسفي للمسرحية

الحبكة الرئيسية التي أحدثت التحول في هذه المسرحية من عبثية الى ما بعد العبثية تكمن في ثلاث نقاط درامية محورية:

1. الحدث المحوري (ظهور "ج"):

- في المشهد الثاني يدخل الشخص الغريب "ج" حاملاً علبة ألوان

- يمثل هذا الحدث خرقاً للواقع العبثي (المتمثل في الجمود والانتظار)

- يحمل "ج" سمات مختلفة (بذلته السوداء، الألوان) ترمز لإمكانية التغيير

2. التحول الدرامي (الرسم على الجدار):

- فعل الرسم نفسه هو لحظة التحول الفلسفية

- تحويل الجدار من رمز للحبس إلى سطح للإبداع

- تحطيم القاعدة العبثية (التي تمنع أي فعل تغييري)

3. الاكتشاف (الباب المرسوم والمرآة):

- عندما يفتحون الباب المرسوم ويكتشفون المرآة

- يمثل لحظة الوعي بأن التغيير يبدأ من الذات

- تحول الشخصيات من متلقين سلبيين إلى فاعلين مبدعين

التقنيات الدرامية المستخدمة في التحول:

1. المفارقة المسرحية:

- السلم المكسور (العبثية) يتحول إلى ألوان ترسم سلماً جديداً (ما بعد العبثية)

- الجدار الذي كان حاجزاً يصبح مساحة للإبداع

2. الرمزية المتطورة:

- علبة الألوان: تمثل أدوات صنع المعنى

- المرآة: ترمز للوعي الذاتي والمسؤولية الفردية

3. تطور الشخصيات:

- من حوارات دائرية (المشهد 1) إلى أفعال إبداعية (المشهد 3)

- تحول اللغة من سلبية ("لا معنى") إلى إيجابية ("ربما يكون")

اللحظة الفاصلة في النص:

تحدث عند منتصف المشهد الثاني تماماً، عندما يرمي "ب" الكتاب في الحفرة ولا يسمع صدى ارتطامه. هذه اللحظة من اليأس المطلق هي التي تستدعي ظهور "ج" كحل درامي، ممهداً للتحول إلى مرحلة ما بعد العبثية.

هذه الحبكة تتبع هيكلاً كلاسيكياً (ذروة/انعطافة) ولكنها تطبقه على المفاهيم الفلسفية، مما يخلق نقلة عضوية بين المدرستين المسرحيتين.

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية