قصة قصيرة بقلم عدنان الطائي رائحة الخبز وذاكرة أمي

 

قصة قصيرة

بقلم عدنان الطائي

رائحة الخبز وذاكرة أمي

اهدي قصتي القصيرة هذه الى امي التي علمتني أن الخبز لا يُصنع من الطحين وحده، بل من الصبر، والدعاء، والحب الذي لا يعرف التعب. وإلى كل أمّ في هذا العالم، أهديكنّ هذه الكلمات في يومكنّ العظيم، يا من تجعلْنَ من البيوت أوطانًا، ومن التعب أعيادًا، ومن رائحة الخبز ذاكرةً لا تموت.

   كانت أمي تستيقظ قبل الجميع، حتى قبل أن تهمس الشمس بضيائها عبر النوافذ. كنا ننام على وقع خطواتها الخفيفة، ونستيقظ على رائحة الخبز الساخن، الذي كانت تعجنه بيديها المليئتين بحنان الحياة. لم تكن تملك شيئًا كثيرًا، لكن قلبها كان خزانًا لا ينضب من الحب. كنا نعيش ببساطة، وكان الخبز الذي تعدّه لنا ليس مجرد طعام، بل رسالة: "أنا هنا.. ولن أجعلكم تجوعون لا في بطونكم، ولا في قلوبكم".

    كبرنا، وغادرنا البيت واحدًا تلو الآخر. صارت الحياة أسرع، صارت الأفران كثيرة، والخبز متوفّر في كل مكان. لكن لم تعد للرائحة ذات الطُهر.. لم تعد الرغيفات تنطق باسم أمي.

  عدتُ يومًا إلى بيتنا القديم. كان الصمت فيه يملأ الجدران. فتحتُ الخزانة التي كانت تخبئ فيها تنانيرها المطرّزة، ووجدت منديلها المعجون بالدقيق والنعناع. ضممته إلى صدري، وإذا بقلبي يعود طفلًا يركض نحو التنور، ينتظر أن تخرج أمي رغيفًا نفخت فيه من روحها. في كل بيت، توجد أمّ، وفي كل أمّ، فرن من الحب لا ينطفئ. وفي كل رغيف خبز حقيقي.. ذاكرة أم.

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية