نص مسرحية (هسيس الاله) من مقالة لعدنان الطائي: "انكسار الإله"



 

نص مسرحية (هسيس الاله) من مقالة لعدنان الطائي: "انكسار الإله"

السرد

شَعَرَ تِمثَالُ الحُبِّ بِالضَّجَرِ، فَتَهَاوَتْ فِينُوسُ عَنْ قَاعِدَتِهَا الذَّهَبِيَّةِ، تَارِكَةً خَلْفَهَا وُفُودَ الإِلَهِ زِيُوسَ، وَأَنَاشِيدَ آلِهَةِ الخِصْبِ تَصُمُّ الآذَانَ صَخَبًا، وَطُهْرُهَا يَتَدَفَّقُ فِدْيَةً لِلرَّبِيعِ، لِيُزْهِرَ البَنَفْسَجُ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ. نَسَجَتْ مِنْ زَهْرِهِ إِكْلِيلَ زِفَافِهَا، وَالجَمِيعُ يَتَفَرَّجُونَ، يَتَسَاءَلُونَ بِصَمْتٍ مُرْبِكٍ: مَنْ هُمَا العَرُوسَانِ؟ اهْتَزَّتْ أَرْكَانُ الصَّمْتِ، فَاقْتَرَبَتْ فِينُوسُ بِخُطَى وَاثِقَةٍ، تَتَمَايَلُ غِنْجًا، تَسْتَعْرِضُ الجَمِيعَ كَمَلِكَةٍ فِي يَوْمِ التَّتْوِيجِ، إِلَى أَنْ خَفَقَ قَلْبُهَا فَجْأَةً، فَسَقَطَ مِنْ بَيْنِ أَضْلُعِهَا أَمَامَ أُودِينُوسَ، وَسِيمِ اليُونَانِ. اِنْجَذَبَتْ إِلَيْهِ، وَبَدَتْ غَيْرَتُهَا نَارًا مُشْتَعِلَةً، لَمْ يَأْبَهْ أَحَدٌ، سِوَى زِيُوسَ، رَبِّ الأَرْبَابِ، الَّذِي صَرَخَ بِصَوْتٍ مُلْتَهِبٍ: "لَقَدْ قُضِيَ الأَمْرُ! إِلَيْكَ بِ حَتَّى الهَلَاكِ!" وَهَلَكَ أُودِينُوسُ. سَقَتْ قَبْرَهُ مِنْ دُمُوعِهَا، فَأَنْبَتَتْ عَلَيْهِ شَقَائِقَ النُّعْمَانِ، وَتَرَعْرَعَتْ الأَرْضُ بِزَهْرِ الرَّبِيعِ، إِلَى أَنْ صَعِقَ زِيُوسُ صَارِخًا، فَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَتَهَاوَتْ أَعْمِدَةُ المَعْبَدِ. "أَيْنَ وَلَدِي أُودِينُوسُ؟!" فَأَجَابَتْهُ الرِّيحُ هَمْسًا: "فَرَّ مَعَ زَوْجَتِكَ، سَيِّدِي..." فَارْتَعَدَ زِيُوسُ، وَنَظَرَ إِلَى مَنْ حَوْلَهُ بِغَضَبٍ مُحْتَدِمٍ: "كَيْفَ تَجَرَّأَ أَنْ يَنَالَ مِنْ مَقَامِي؟" لَكِنَّ الجُمُوعَ كَانَتْ سَاكِنَةً، لَا تُصَفِّقُ إِلَّا لِلمُنْتَصِرِ! تَلَاشَى طَيْفُهُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا بَيْنَ سُحُبِ الدُّخَانِ، يَجُرُّ أَذْيَالَ خَيْبَتِهِ، يَتَجَرَّعُ كَأْسَ الغَدْرِ، رَأْسُهُ مُطَأْطِئٌ، وَقَلْبُهُ مَكْسُورٌ... ثُمَّ هَدَأَ المَكَانُ.

    تحويل النص الى مسرحية تحت عنوان هسيس الاله (مقتطف مشهدي من مسرح عبثي)، تحت ظلال المسرح العبثي (Theatre of the Absurd)، حيث يتقاطع القدَر بالفراغ، ويتهاوى الإله في صمتٍ لا يصفق فيه أحد.. بعد الاخذ بالعناصر التي ينبغي اتباعها وما يقربها من (المسرح العبثي) هي

1.  انهيار سلطة الإله: وهو رمزي لانهيار القيم العليا والمعنى الكلي، تمامًا كما في مسرحيات بيكيت ويونسكو.

2.  عبثية الصراع بين الحب والسلطة: لا حلول، لا منطق حتمي، بل موت، صمت، فراغ.

3.  استخدام الكورس كنشيد بلا مخرج: كأنهم يرددون صدى بلا فعل.

4.  انتصار الحب كمفارقة هزيلة: حب بلا حياة، نصر بالموت.

ما يجعلها لا تزال خارج العبث الصريح:

1.  فيها سرد واضح وبنية تقليدية (بداية، ذروة، نهاية)، بينما المسرح العبثي غالبًا مفكك زمنيًا أو مكانيًا.

2.  الشخصيات لها هوية واضحة، بينما في المسرح العبثي غالبًا تكون ممسوخة، أو بلا ملامح ثابتة.

3.  النهاية فيها رسالة معنوية، بينما العبث يميل إلى أن يترك الجمهور في فراغ وجودي بلا موعظة.

كيف نحولها إلى مسرح عبثي صرف؟

  • أن يتحول زيوس إلى مجرد صوت يتكرر دون ظهور، لا يُعرف أن كان موجودًا فعلاً.
  • أن تظهر فينوس في مشاهد متكررة لا تتغير، كما في "في انتظار غودو".
  • أن يكون جسد أودينوس موجودًا طيلة العرض، كرمز للصمت الذي لا يموت.
  • أن تكون اللغة محطمة أحيانًا، تكرر نفسها، أو تتحول لحوار بلا منطق.

     تبدأ المسرحية كاملة من مشاهد متعددة مستوحاة من "انكسار الإله"، ضمن قالب المسرح العبثي، الذي يمزج بين الرمزية، اللامعقول، الفراغ الوجودي، وصوت الأسئلة المترددة بلا أجوبة. نص مسرحي عبثي من فصلين:

- الفصل الأول: خيانة فينوس 

- الفصل الثاني: انكسار زيوس

الفصل الأول: خيانة فينوس

الديكور: 

خشبة مظلمة فيها عمودان مائلان، وفي المنتصف تمثال مكسور لفينوس، ومرآة نصفها محطم. 

الصوت يهمس باستمرار من الأعلى: "كانوا هنا… وكانوا آلهة."

المشهد الأول: الحنين المكسور

الشخصيات:

- فينوس (ترتدي فستان زفاف قديم، وتسير حافية) 

-الصدى (صوت متكرر يتكلم بعد كل جملة) 

- الريح (مؤثر صوتي متغير، يُمثّل العاطفة المتقلبة) 

- أودينوس (جسد حي–ميت) 

فينوس (بهمس يشبه الصلاة): 

هل أنا التي خانت… أم الزمان هو الذي تخلّى؟ 

الصدى: 

خانَ… خانَ… تخلّى…

فينوس (تلتفت نحو أودينوس): 

كنتَ جميلاً كخرافة! 

لكنك الآن... الآن... 

أجملُ وأنت لا ترد.

الريح (تعصف فجأة): 

صوتكِ يجرحني، فينوس!

فينوس (ترتمي على الأرض): 

أحببته، فمات. 

فهل الموت غيرة أم جزاء؟

الصدى: 

جزاء… جزاء… جزاء…

المشهد الثاني: نهوض الإله المهزوم

الديكور: 

تبدل الإضاءة تدريجيًا إلى الأحمر. أقدام ضخمة تمشي في الظل (رمز زيوس). الكورس يهمهم بلا معنى.

زيوس (صوت لا يظهر صاحبه): 

أين عرشي؟ من سرقه؟ 

هل الحبُ أقوى مني؟!

الكورس (كلهم معًا، غير متزامنين): 

نحن لا نعرف، لا نعرف، لا نعرف...

فينوس (تتوسل): 

ليس ذنبه… 

أنا من أشعل النيران… 

أنا من أحببت…

زيوس (يصرخ): 

إذن لتموتي معه!

(صمت. ريح عنيفة. جسد أودينوس يرتفع ببطء ثم يسقط من جديد)

الفصل الثاني: انكسار زيوس

المشهد الأول: خيبة الألوهية

الديكور:

المعبد مهدم. الحضور يرتدون أقنعة الآلهة القديمة، وكل واحد يبكي بصمت.

الكورس: 

زيوس وحده الآن… 

قلبه مكسورٌ بلا حرب…

زيوس (يتجول في الساحة، يجر تاجه وراءه): 

هل تصفقون لي؟ 

لا أحد… 

ولا حتى عدوٌّ يحتفل بسقوطي.

فينوس (تصعد من بين الركام، كأنها عائدة من موت): 

لستُ سوى ظلٍّ… 

لكنك لستَ أكثر من وَهْم.

زيوس: 

أنا الإله! 

أنا من خلقكم!

الكورس (ساخرًا): 

وهل يخلقنا من كان يبحث عن الحب؟

المشهد الأخير: السقوط

الديكور: 

بحر هائج يُرسم بصوت، جثة أودينوس تطفو، وفينوس تمشي فوق الأمواج

الصدى: 

لقد هلكتم جميعًا… 

والحبُّ بقي.

الريح: 

الحبُّ... الإلهُ الجديد.

زيوس (ينظر للجمهور، يهمس وهو ينهار): 

لم أكن أبدًا… 

سوى رجلٍ في هيئةِ صاعقة.

(تنطفئ الأضواء. صوت تصفيق واحد فقط، يأتي من الخلف.)

الستار 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية