حين يُقتل الأطفال… لا مجال للصمت

 

حين يُقتل الأطفال… لا مجال للصمت

بقلم عدنان مهدي الطائي

"ينبغي أن نصمت حين ينام الأطفال، لا حين يُقتلون."
 أمين معلوف

في عالمٍ يتكلم كثيرًا عن الحقوق، ويصمت كثيرًا عن الجرائم، تبدو هذه العبارة لأمين معلوف وكأنها صفعة للضمير العالمي. كيف يمكن أن يهنأ العالم بنومه، بينما أطفال غزة، سوريا، اليمن، العراق، وأفغانستان يُنتزعون من أسِرّتهم على وقع القصف والنار؟!
هل ما زال العالم يملك وجهًا إنسانيًا بعد كل هذا الدمار؟

لقد باتت الطفولة هدفًا مباشرًا في صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل. فالطفل العربي يولد منذ سنوات تحت طائرات حربية، لا تحت أجنحة الملائكة. يستقبل الحياة بسقفٍ هشّ من ركام، لا بسقف الأمان.

صراعات الهيمنة لا حماية الشعوب

ما تشهده منطقتنا منذ عقود، تصاعد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وصولًا إلى ما يُسمى بـ"صفقة القرن"، و"التحالف الإبراهيمي"، ليس مجرد مواجهات أمنية أو جيوسياسية، بل مشروع متكامل لإعادة رسم خارطة النفوذ العالمي تحت غطاء محاربة الإرهاب أو ردع إيران. لكن الواقع يثبت أن الأطفال وحدهم يدفعون الثمن.

الولايات المتحدة، بوصفها القوة الكبرى، توظّف سردية "الخطر الإيراني" لتبرير تدخلاتها، وتعزيز تحالفاتها العسكرية مع إسرائيل وأنظمة سلطوية في الخليج، في حين تتحول إيران نفسها إلى فاعل إقليمي يستخدم ورقة الطائفية المسلحة لتوسيع نفوذه في العراق، سوريا، لبنان، واليمن، من خلال ميليشيات عقائدية لا تختلف في جوهرها عن تلك التي تدّعي محاربتها.

أما إسرائيل، فتستمر في تسويق نفسها كضحية، بينما تُمارس أبشع أنواع القتل الجماعي، مستفيدة من الغطاء الأميركي الكامل، ومن تراجع الموقف الأوروبي، ومن صمت عربي متواطئ، تُعميه المصالح أو الخوف أو التبعية.

الطفولة تحت القصف… شهادة على فشل الإنسانية

بحسب تقارير اليونيسف، تجاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا في النزاعات المسلحة خلال العقد الأخير حاجز الـ 100,000 طفل، والرقم في تصاعد مستمر، خاصة في مناطق مثل فلسطين واليمن وسوريا. في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، استُهدف الأطفال مباشرة، بل وقُتلوا مع أمهاتهم في بيوتهم، كما وثّقت هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود.
فأين الإنسانية؟ وأين صُنّاع القرار الذين يتحدثون عن القيم والمبادئ كلما اقترب الخطر من حدودهم فقط؟

الصمت تواطؤ… والصوت مقاومة

الصمت لم يعد خيارًا أخلاقيًا.

الصمت بات تواطؤًا.

والتنديد الخجول، أو البيانات الدولية المعلبة، لم تعد مجدية أمام مشاهد الدمار.

ما نحتاجه هو مراجعة شاملة للمنظومة الدولية التي تمنح الحصانة للقاتل وتحاكم الضحية، والتي تُشرعن القصف متى كان المقتول عربيًا أو مسلمًا.

إن الحروب الشوفينية والطائفية، و"إعادة هندسة المنطقة" عبر بوابة التطبيع القسري والتدمير، لا يمكنها أن تُنتج سلامًا، بل مزيدًا من الخراب.

فالسلام الذي لا يبدأ من كفّ يد القاتل عن الطفل، ليس سلامًا، بل استراحة محارب.

ليتنا نصمت فقط حين ينام الأطفال… لا حين يُقتلون.

مراجع ومصادر:

أمين معلوف من خطاباته في قضايا الهويات والصراعات (انظر: الهويات القاتلة)

1.  تقرير اليونيسف حول الأطفال والنزاعات المسلحة (2023): UNICEF – Children in Armed Conflict

2.  هيومن رايتس ووتش تقارير العدوان الإسرائيلي على غزة (2021-2024): hrw.org

3.  أطباء بلا حدود شهادات طبية عن استهداف المدنيين في مناطق النزاع

4.  مجلس الأمن قرارات غير مُنفذة بشأن حماية الأطفال في مناطق النزاع (مثل القرار 1612)

عدنان الطائي 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية